1 -
[ لابد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والقيادة
الجاهلية .. في خاصة نفوسنا .. ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع
الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له ، فهو بهذه الصفة .. صفة جاهلية .. غير
قابل لأن نصطلح معه . إن مهمتنا أن نغيّر من انفسنا أولآ لنغيّر هذا
المجتمع أخيرآ . إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع . مهمتنا هي
تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه هذا الواقع الذي يصطدم إصطدامآ أساسيآ
بالمنهج الإسلامي ، وبالتصور الإسلامي ، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن
نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش ] .
[
تدخل في إطار هذا المجتمع الجاهلي ، جميع المجتمعات القائمة اليوم في
الأرض فعلآ : تدخل فيه : المجتمعات الشيوعية المجتمعات الوثنية المجتمعات
اليهودية والنصرانية واخيرآ يدخل في إطار " المجتمع الجاهلي " تلك
المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها " مسلمة " ] .
[
الإسلام لايعترف إلا بنوعين من المجتمعات .. مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي
.. وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسآ ممن يسمون أنفسهم " مسلمين " ،
بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون المجتمع ، وإن صلى وصام وحج البيت
الحرام .. وبذلك يكون" مجتمعآ جاهليآ " ولو أقر بوجود الله سبحانه ، ولو
ترك الناس يقدمون الشعائر لله ، في البيَع والكنائس والمساجد .. و "
المجتمع الإسلامي " هو وحده " المجتمع المتحضر " ، والمجتمعات الجاهلية بكل
صورها المتعددة ، مجتمعات متخلفة .. ] .
2 -
[ إنه لابد من " طليعة " تعزم هذه العزمة وتمضي في الطريق . تمضي في خضم
الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعآ . تمضي وهي تزاول نوعآ من "
العزلة " من جانب ، ونوعآ من " الإتصال " من الجانب الآخر بالجاهلية
المحيطة وعليها أن تعرف أين تلتقي ومع من وكيف تلتقي .. ]
[ لابد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة " الحضانة والتكوين " من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها ] .
[
إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من إنتقال أفراد ومجموعات من الناس من
العبودية لغير الله – معه أو من دونه – إلى العبودية لله وحده بلا شريك ،
ثم من تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية ..
وعندئذ يتم ميلاد لمجتمع جديد ] .
[
في الطريق تكون " المعركة " قد قامت بين المجتمع الوليد الذي إنفصل
بعقيدته وتصوره وإنفصل بقيمه وإعتباراته وإنفصل بوجوده وكينونته عن
المجتمع الجاهلي – الذي أخذ منه أفراده – وتكون " الحركة " من نقطة
الإنطلاق إلى نقطة الوجود البارز المستقل قد ميزت كل فرد من أفراد المجتمع
... " الحركة " هي طابع العقيدة الإسلامية وطابع هذا المجتمع الذي إنبثق
منها .. إن كل فرد من أفراد هذا المجتمع لابد أن يتحرك .. الحركة في عقيدته
، في دمه في مجتمعه ]
3 -
[ إن التصور الإسلامي للألوهية وللوجود الكوني وللحياة وللإنسان ..
تصور شامل كامل . ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي . وهو يكره – بطبيعته – أن
يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي .. ويجب أن يتمثل في اناسي وفي تنظيم حي
وفي حركة واقعية .. وطريقته في التكون أن ينمو من خلال الأناسي والتنظيم
الحي والحركة الواقعية حتى يكتمل نظريآ في " نفس الوقت " الذي يكتمل فيه
واقعيآ ... وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي ولا يتمثل من خلاله هو
خطأ وخطر كذلك .. ] .
[
نحن ، حين نريد من الإسلام أن يجعل من نفسه " نظرية " للدراسة نخرج به عن
طبيعة منهج التكوين الرباني وعن طبيعة منهج التفكير الرباني كذلك ونخضع
ألإسلام لمناهج التفكير البشرية ! كأنما المنهج الرباني أدنى من المناهج
البشرية ! وكأنما نريد لنرتقي بمنهج الله في التصور والحركة ليوازي مناهج
العبيد ! والأمر من هذه الناحية يكون خطيرآ والهزيمة قاتلة ] .
[
ومرة أخرى أكرر أن التصور الإعتقادي يجب أن يتمثل من فوره في تجمع حركي
وأن يكون التجمع الحركي في الوقت ذاته تمثيلآ صحيحآ وترجمة حقيقية للتصور
الإعتقادي ]
[
لايتحقق المجتمع المسلم بمجرد قيام القاعدة النظرية .. ولا يتمثلون في
تجمع عضوي متناسق متعاون له وجود ذاتي مستقل يعمل أعضاؤه عملآ عضويآ على
تأصيل وجوده وتعميقه وتوسيعه وفي الدفاع عن كيانه ضد العوامل التي تهاجم
وجوده وكيانه ويعملون هذا تحت " قيادة " مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي
.. تجمع عضوي حركي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجه لهذا المجتمع ] .
4 - الحاكمية
[ إن العالم يعيش اليوم في " جاهلية " من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها جاهلية لاتخفف منها شيئآ هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الإبداع المادي الفائق . هذه الجاهلية تقوم على أساس الإعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية .. وهي " الحاكمية " .. إنها تُسند الحاكمية إلى البشر – الجاهلية - فتجعل بعضهم لبعض أربابآ لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى .. ولكن في صورة إدعاء حق وضع التصورات والقيم والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة وفيما لم يأذن به الله .. فينشأ عن هذا الإعتداء على سلطان الله إعتداء على عباده .. ومهانة " الإنسان " عامة في الأنظمة الجماعية ] .
[ يجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هي السلطة التي تنظم وجوده – الكون - فلا يشذوا هم بمنهج وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصّرف الكون كله بل الذي يصرّف وجودهم هم أنفسهم ]
[ والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام – على مدار التاريخ البشري – هي قاعدة " شهادة أن لا إله إلا الله " أي إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية .. ومعنى هذه القاعدة من الناحية النظرية .. ان تعود حياة البشر بجملتها إلى الله لايقضون هم في اي شأن من شؤونها ولا في اي جانب من جوانبها من عند أنفسهم بل لابد لهم أن يرجعوا إلى حكم الله فيها ليتبعوه .. ] .
[ والأصول المقررة للإجتهاد والإستنباط كذلك ومعروفة وليست غامضة ولا مائعة .. فليس لأحد أن يقول لشرع يشرعه : هذا شرع الله . إلا أن تكون الحاكمية لله معلنة . وأن يكون " مصدر السلطات" هو الله سبحانه ، لا " الشعب " ولا " الحزب " ولا أي من البشر . ] .
[ في هذا الفصل .. نوضح مدلول " الحاكمية " وعلاقته " بالثقافة " .. إن مدلول " الحاكمية " في التصور الإسلامي لا" ينحصر" في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده والتحاكم إليها وحده والحكم بها دون سواها .. إن مدلول " الشريعة " في الإسلام لا"ينحصر" في التشريعات القانونية ولا حتى في أصول الحكم ونظامه وأوضاعه . إن هذا المدلول " الضيق " لايمثل مدلول " الشريعة " والتصور الإسلامي ! إن " شريعة الله " تعني كل ماشرعه الله لتنظيم الحياة البشرية .. وهذا يتمثل في أصول الإعتقاد واصول الحكم وأصول الأخلاق واصول السلوك وأصول الثقافة أيضآ .
5 - الجهاد :
تتجلى سمات أصيلة وعميقة في "المنهج الحركي " لهذا الدين جديرة بالوقوف أمامها طويلآ ولكننا لانملك هنا إلا أن نشير إليها إشارات مجملة :
السمة الأولى : [ تواجه الحركة ألإسلامية واقعآ بشريآ تواجه جاهلية إعتقادية وتصويرية تقوم عليها أنظمة واقعية عملية تسندها سلطات ذات قوة مادية .. فتواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه .. تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها ...]
السمة الثانية : [ في منهج هذا الدين : هي الواقعية الحركية .. والذين يسوقون النصوص القرآنية للإستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد ولا يراعون هذه السمة فيه .. الذين يصنعون هذا يخلطون خلطآ شديدآ ويلبسون منهج هذا الدين لبسآ مضللآ ويحمّلون النصوص مالا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية . ويقولون – وهم مهزومون روحيآ وعقليآ – تحت ضغط الواقع اليائس .. أن الإسلام لايجاهد إلا للدفاع إنهم يسدون إلى هذا الدين جميلآ بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعآ ... ويجب تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن إستسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة ..]
السمة الثالثة : [هي أن هذه الحركة الدائبة والوسائل المتجددة ، لاتخرج هذا الدين عن قواعده المحددة ، إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ، ويطلب منهم الإنتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لله ، لامساومة في هذه القاعدة ولا لين ..]
السمة الرابعة :[هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات الأخرى ، وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيئ إليه ، أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي ، أو قوة مادية ، وأن تخلي بينه وبين كل فرد يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته ، فلا تقاومه ولا تحاربه ! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو يعلن إستسلامه ! ] .
[ وقيام مملكة الله في الأرض ، وإزالة مملكة البشر ، وإنتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده .. وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية .. كل أولئك لايتم بمجرد التبليغ والبيان ، لأن المتسلطين على رقاب العباد ، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض ، لايسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان ] .
[ والذي يدرك طبيعة هذا الدين – على النحو المتقدم – يدرك معها حتمية الإنطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف – إلى جانب الجهاد بالبيان.. ] .
[ إن الجهاد ضرورة للدعوة .. سواء كان الوطن الإسلامي – بالتعبير الإسلامي الصحيح : دار الإسلام – آمنآ أم مهددآ من جيرانه . فالإسلام حين يسعى إلى السلم لايقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمّن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية . إنما هو يريد السلم : التي يكون الدين فيها لله ]
[ إن المعسكرات المعادية للإسلام قد يجيئ عليها زمان تؤثر فيه ألا تهاجم الإسلام .. ولكن الإسلام لايهادنها ، إلا أن تعلن إستسلامها لسلطانه في صورة " اداء الجزية " ، ضمانآ لفتح أبوابها لدعوته بلا عوائق .. ]
6 - الإستعلاء .. ونفي الأوطان :
[ الإستعلاء .. على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان . وعلى قيم الأرض التي لم تنبثق من أصل الإيمان . وعلى تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمان ، وعلى قوانين الأرض التي لم يشرعها الإيمان ، وعلى أوضاع الأرض التي لم ينشئها الإيمان ... الإستعلاء .. مع ضعف القوة وقلة العدد وفقر المال كالإستعلاء مع القوة والكثرة والغنى ، سواء .. ]
[ وطن المسلم .. الذي يحن إليه ويدفع عنه ليس قطعة أرض ، وجنسية المسلم التي يعرف بها ليست جنسية حكم وعشيرة المسلم التي يأوي إليها ويدفع عنها ليست قرابة دم وراية المسلم التى يعتز بها ويستشهد تحتها ليست راية قوم وإنتصار المسلم الذي يهفو إليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش ]
[ فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الإرتباط بالله , ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوآ في " الأمة المسلمة في " دار الإسلام ، ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله ، فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله .. ليست قرابة المسلم : أباه وأمه وأخاه وزوجه وعشيرته ، مالم تنعقد الآصرة الأولى في الخالق .. ]
رحمك الله يا سيد قطب رحمة واسعة
وهل يمكن أن يغمض أى طاغوت عينيه وينام
وعلى وجه الأرض رجل كتب مثل هذا الكلام ؟
نسأل الله أن يكتبك فى الشهداء الأبرار وأن يتجاوز عن سيئاتك وزلاتك ويبدلها جميعها حسنات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق