صِفَةُ الطائِفَةِ المنصُورةِ التي يجبُ أنْ تُكثِّرَ سوادَها





إهداء

 *  إلى كلِّ مَن خانته معلوماتُه .. فضلّ سواءَ السبيل .. وهو يحسب أنه على شيءٍ .. 
     أو ممن يُحسنون صُنعاً !

 

*  إلى الذين شتتت ولاءاتهم وانتماءاتهم أحزابٌ وفِرَق ورايات ..  ما أنزل الله بها من 
    سلطان ..!
*  إلى الذين يُكثِّرون سوادَ الباطل في شيء .. !
*  إلى الذين يسألون عن البديل .. وعن صفات الطائفة التي ينبغي تكثير
     سوادها .. والالتحاق بصفوفها .. !
*  إلى الذين يُزكّون أنفسهم على الله .. ويتشبَّعون بما ليس فيهم ولا عندهم      فيزعمون ـ زوراً ـ أنهم هم الطائفة المنصورة، أو منها .. !
*  إلى الأخفياء، الأنقياء، الأتقياء من أفراد الطائفة الناجية المنصورة ..
    الظاهرين على الحق .. أينما كانوا .. !
 
إلى هؤلاء جميعاً أُهدي هذا الموضوع .. راجياً من الله تعالى أن يُحقق منه النفع للجميع .. وأن يكون لمن ضل طريق الحق .. سبب هداية ورشاد .. إنه تعالى سميع قريب .

     إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللهُ فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(آل عمران:102)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1.
)
  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (الأحزاب:70-71.

أمّا بعد: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم  وشرَّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالِمَ الغيب والشهادة أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم .  

وبعد : فقد كثرت ـ على الساحة الإسلامية ـ التجمعات والأحزاب والتكتلات التي كل منها تدعي ـ لنفسها دون غيرها ـ أنها على الحق الذي لا ريب فيه، وأن النصر والخلاص سيتحصل على يديها .. لا على يد أحدٍ غيرها .. وهي في الحقيقة ليست من الحق بشيء، ولا هي على نهج النبوة والسلف والصالح تسير .. !!
فعَكَسَ ذلك الواقع نتائج سلبية على حياة الناس وعلى وتصوراتهم، ومواقفهم؛ فاضطربت عندهم الموازين، وتشتت ولاءاتهم وانتماءاتهم في أحزاب ـ مختلفة متناحرة ـ ما أنزل الله بها من سلطان، مما أدى إلى تعميق الخلاف والتنازع والفرقة بين الأخوة المتحابين في الله؛ فأوغرت في نفوسهم الحقد والبغضاء والحسد، حتى لا تكاد تجد اثنين إلا وللواحد منهما في نفسه شيء على الآخر .. بفعل تلك الأهواء والأحزاب والتكتلات .. وما تفرضه على الأتباع من ولاءات باطلة ومتناقضة !!
وكذلك فإن تعددية الأحزاب والجماعات المختلفة المشارب والمصادر، قد أوجدت عند الكثير من الناس الشك والريب تجاه جميع التجمعات المعاصرة ـ الصالحة منها والباطلة ـ مما أدى ذلك بهم  إلى أن يؤثروا الاعتزال والانزواء ـ من دون أن يفرقوا بين من يستحق الولاء والقدر الذي يستحقه من الولاء، وبين من يستحق البراء ـ مشككين بجدية وإخلاص جميع الجماعات القائمة على الساحة الإسلامية .. والجميع عندهم متهم .. !

ومن خلال موضوع ( صفة الطائفة المنصورة التي يجب أن تكثر سوادها )، نلقي  الضوء على صفة الطائفة الناجية المنصورة ـ كما جاءت صفاتها في الكتاب والسنة ـ التي يجب على كل مسلم أن يكون منها، وأن يكثر سوادها ويخلص في الذود عنها .. فيكون له ـ إن شاء الله ـ بمثابة المشعل الذي ينير ظلمة الطريق، والميزان الذي به يعرف موقع الأحزاب من الحق، ومدى قربها منه أو بعدها عنه .. ومعرفة الذي ينفع منها من الذي يضر ولا ينفع.
وهو أيضاً يعين المسلم على معرفة الحق وأهله، فيسرع إلى نصرتهم وتكثير سوادهم، والانضمام إلى صفوفهم .. كما ويعينه على معرفة الباطل وأهله، فيجافيهم ويعاديهم، وينفر منهم بحسب قربهم أو بعدهم عن صفات الطائفة الناجية المنصورة . 
وهذا الموضوع  نذير لكل مسلم يكون ظهيراً للباطل وأهله .. يكثر سوادهم ولو بظلٍ أو فعل أو قول .. على المسلمين .. فيكون شريكاً لهم في الإثم والعدوان وهو يدري أو لا يدري ..!
كما في الحديث الذي يرويه ابن مسعود مرفوعاً:( من كثر سواد قومٍ فهو منهم، ومن رضي عمل قومٍ كان شريك من عمل به ) [ أخرجه أبو يعلى، فتح الباري: 13/ 37 ].
وقال صلى الله عليه وسلم :( لا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم) [ رواه أحمد، والنسائي، والحاكم، صحيح الجامع الصغير: 3021 ]. في الدنيا والآخرة.
وقال صلى الله عليه وسلم :( حليف القوم منهم ) [ رواه  الطبراني ، صحيح الجامع الصغير:"3156 ]. مصداق ذلك في كتاب الله عز وجل  قوله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة:51) أي هو مثلهم في الكفر، وشريك لهم في الإثم والوزر[ فإن كانوا كفاراً فهو بموالاته ونصرته لهم يكون كافراً مثلهم، وإن كانوا فساقاً غيركفار، فهو يكون فاسقاً مثلهم .. فحكمه حكمهم ].
وحتى تكون هذه الرسالة حجة في موضوعها، اجتهدت في أن أثبت صفات الطائفة الناجية المنصورة كما وردت صفاتها في الكتاب والسنة، ودلت عليها نصوص الشريعة، متتبعاً آثار وفهم السلف الصالح .. سائلاً الله تعالى التوفيق والقبول .. وأن يلهمني الحق والصواب ويجنبني الهوى والزلل، ما ظهر منها وما بطن .. وأن يجعلنا ـ بمنه وكرمه ورحمته ـ من أهل الطائفة الناجية المنصورة في الدنيا والآخرة، إنه تعالى سميع قريب.

 وجود الطائفة المنصورة

قبل أن نخوض في الحديث عن صفات الطائفة الناجية المنصورة وضرورة تكثير سوادها على من سواها  لا بد أولاً من أن نثبت وجود هذه الطائفة وشرعية وجودها.


فأقول: قد تواترت الأدلة الصحيحة التي تدل على وجود الطائفة المنصورة وعلى استمرارية وجودها إلى يوم القيامة وأنها طائفة منصورة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة .. منها ما جاء في صحيح مسلم :

عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ).

وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) . 
وعن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ) .
وعن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول:( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ).
وعن عمران بن هانئ قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ) [جميع ما تقدم من أحاديث قد خرجها مسلم في صحيحه وأحاديث الطائفة المنصورة مخرجة في الصحيحين والسنن وغيرها من كتب الأحاديث].
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ) [صحيح سنن أبي داود:"2170] .

وعن سلمة بن نفيل الكندي قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل[أي استخفوا بها وتركوها] ووضعوا السلاح وقالوا: لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم  بوجهه وقال:( كذبوا، الآن الآن جاء القتال ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ) [صحيح سنن النسائي: 3333].
وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) [صحيح سنن ابن ماجه:6].
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها )[صحيح سنن ابن ماجه:7].
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم ؟! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لا تقوم الساعة إلا وطائفة مـن أمتي ظاهرون على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم ) [صحيح سنن ابن ماجه]

وعن أبي عِنَبَة الخولاني وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته) [صحيح سنن ابن ماجه:8].
وغيرها كثير من الأحاديث والنصوص التي تدل على وجود هذه الطائفة المنصورة وأنهم ظاهرون على الحق .. وأنهم منصورون لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم .. وإلى يوم القيامة.
وهذا أمر مما لا شك فيه له أثره الطيب على نفوس المؤمنين المستضعفين في الأرض حيث يبعث في نفوسهم الأمل واليقين بنصر الله تعالى ووعده وأن العاقبة للمؤمنين الصادقين ـ ولو بعد حين ـ  مهما انتفش الباطل وتعاظم جنده وأمره.
وفيه كذلك بشرى سوء لجميع طواغيت الأرض الذين يناصبون الإسلام والمسلمين الحرب والعداء .. بأن كيدهم وحربهم لا يجدي لهم نفعاً .. وأنه مردود عليهم وفي نحورهم .. وأنهم مهما حاولوا فإن النصر لكلمة الله وجنده .. ولو بعد حين.
قد ناصب الإسلام والمسلمين الحرب والعداء ـ عبر مدار الأزمان ـ  آلاف الطواغيت والجبابرة .. وسُيرت لحربه آلاف الجيوش الكافرة .. فأين هم .. وأين أموالهم الطائلة التي أنفقوها للصد عن سبيل الله .. وأين دين الله .. لو كانوا يُبصرون ؟ !
قد ذهبوا وهلكوا جميعاً حطباً لنار جهنم وبئس المصير .. ودين الله تعالى في ازدياد ورفعة وتوسع وانتشار في الأمصار وبين العباد .. رغم أنف الذين كفروا ! 
ألا يدل ذلك على أن يداً قادرة قد تكفلت بحفظ ورعاية ونصرة هذا الدين ..؟ !    بلى .. لو كانوا يعلمون !
قال تعالى:) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة:32.
وقال تعالى:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (الأنفال:36.  

شبهة ورد:

قد يقول قائل: كيف التوفيق بين هذه الأحاديث التي تدل على بقاء الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وبين الأحاديث التي تدل على أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق وحتى لا يُقال في الأرض الله الله .
 [ كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه:( لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ). وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض الله الله ) ] ؟

الجواب 

 أن الساعة إذا جاءت أشراطها الكبرى ودنا وقتها الأخير أرسل الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الخلق عليهم تقوم الساعة ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم :( حتى يأتي أمر الله ) فيكون أمر الله هو الريح التي تقبض أرواح المؤمنين.
كما في الحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان إلا قبضته ) ( مسلم) .
وعن عبد الرحمن بن شُماسَة المهري قال: كنت عند مسلمة بن مخلَّد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله. فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ) فقال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة ) (مسلم) .

 فيكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم :( إلى يوم القيامة ) أي ( أنهم لا يزالون على الحق حتى تقبضهم هذه الريح اللينة قرب القيامة وعند تظاهر أشراطها فأطلق في هذا الحديث بقاءهم إلى قيام الساعة على أشراطها ودنوها المتناهي في القرب والله أعلم ) [ قاله النووي في شرحه لصحيح  مسلم :2/132 ] .

 الطائفة المنصورة

الطائفة المنصورة ليست  حكراً لأحد دون أحد أو لجماعة دون جماعة تخضع لأهواء ورغبات وتقسيمات أرباب الجماعات أو الأحزاب .. وإنما هي طائفة ربانية تُعرف بصفات وخصائص دلت عليها نصوص الكتاب والسنة، فمن اتصف بها فهو من الطائفة الظاهرة المرضية المنصورة رضي من رضي وأبى من أبى، ومن لم يتصف بتلك الصفات فهو ليس من الطائفة المنصورة وإن زعم ـ بلسانه  ألف مرة ـ أنه منها، ومن أهلها ..!


فالعبرة فيمن يكون من الطائفة المنصورة ممن لا يكون منها تكون بقدر التحلي بما تتصف به الطائفة المنصورة من صفات وخلال .. وليس بمجرد زعم الانتماء أو الانتساب .. والتشبع بما لا يُعطاه المرء .. وبما ليس عنده ولا فيه!
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ الصف:2-3.
والدعاوى إن لم يقيموا عليها        بيناتٍ فصحبُها أدعياء 

والمرء يمكن أن يتصف ببعض صفات الطائفة المنصورة .. ويُعرف بصفة أكثر من الأخرى .. فحينئذٍ يُقال عنه: فيه بعض صفات الطائفة المنصورة .. وعلى قدر تحليه بتلك الصفات. 
فعناصر الطائفة المنصورة يتفاوتون فيما بينهم قرباً أو بعداً عن كمال صفات الطائفة المنصورة بقدر تحلي كل أحدٍ منهم بتلك الصفات .. وعلى قدر هذا التفاوت فيما بينهم يتفاوتون من حيث قوة الإيمان أو ضعفه.
وإليك الآن أهم وأبرز صفات الطائفة المنصورة .. كما وردت في الكتاب والسنة .

الصفة الأولى من صفات الطائفة المنصورة

الإتباع لا الابتداع
والاهتداء بفهم السلف الصالح
لنصوص الكتاب والسنة



[ السلف الصالح : هم الصحابة ـ رضوان الله عليهم  ـ ومن كان على طريقتهم ونهجهم من التابعين لهم في القرون الثلاثة الأولى، والمشهود لها بالخيرية ] .
من أخص صفات الطائفة الظاهرة المنصورة أنهم يسيرون على منهاج النبوة صراط الله المستقيم لا تستلفت أنظارهم الأهواء والسبل المتفرقة التي أحدثها المشركون والمبتدعون وهم في جميع شؤون حياتهم الدينية والدنيوية يقتدون بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ فشأنهم دائماً الإتباع والإقتداء بخير من سلف وليس الابتداع والإحداث في الدين .

تجد هذه الصفة بارزة في وصفه صلى الله عليه وسلم إياهم أنهم ( على الحق) وأنهم ( قائمين بأمر الله) والحق وأمر الله محصوران في الكتاب والسنة على فهم صالحي سلف الأمة وهو الدين الصحيح الذي يجب أن يتبع وما سوى ذلك فهو من المشاققة للرسول صلى الله عليه وسلم واتباع لغير سبيل المؤمنين .
كما قال تعالى:( وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال 13
أي من يخالف الله ورسوله فيكون في شقٍّ وشرع الله تعالى ـ المتمثل في حكم الله ورسوله ـ في شق آخر فإنه لن يفلت من عقاب الله الشديد .. وسيطاله العذاب في الدنيا والآخرة .  
وكذلك قوله تعالى:( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) .

وأولى الناس بصفة ( المؤمنين) الواردة في هذه الآية الكريمة هم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فهم الذين اصطفاهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرة دينه والجهاد مع رسوله .. وعن طريقهم نقل الدين لمن بعدهم فكانوا الأمناء الأوفياء لما استأمنهم الله ورسوله عليه؛ حيث أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده .. !
وهم كذلك أفقه الناس بمراد الشارع لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولدرايتهم بأسباب نزول آيات الذكر الحكيم  لذا كان من يخالفهم ويتبع غير سبيلهم يستحق من الله هذا الوعيد الشديد وهو أن يصلى نار جهنم وساءت مصيراً .
قال ابن تيميه: فإنهما متلازمان فكل من شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وكل من اتبع غير سبيل المؤمنين فقد شاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى. وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول وإن كان ما أجمعوا عليه فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البين[الفتاوى: 7/ 38 ].
ونحو ذلك قوله تعالى:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف:108.
فالصحابة هم الذين تتحقق فيهم صفة الإتباع والانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيرهم وهم أولى الناس دخولاً في قوله تعالى: أنا ومن اتبعني  وبالتالي فهم أولى الناس بصفة الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم وفقه ومن كان كذلك فإنه لحري بمن جاء بعدهم أن يتحروا طريقتهم ومنهاجهم وفهمهم لمسائل الدين .. وأن لا يلتفتوا عنهم لمن شذ عن فهمهم وطريقتهم من المتأخرين.
وفي قوله تعالى: ( أنا ومن اتبعني) قال ابن عباس: يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقة وأقصد هداية معدن العلم وكنز الإيمان وجند الرحمن .

وقال عبد الله بن مسعود: من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم [تفسير البغوي:2/ 453].
وكذلك قوله تعالى:) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ) البقرة:137.
ففي الآية دلالتان أولهما: أن الهداية المطلقة التي تؤدي إلى النجاة وإلى خيري الدنيا والآخرة تكمن فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من هدى وإيمان [الإيمان: هو مجموع ما أمر به الإسلام كما في الحديث:( الإيمان بضع وسبعون شعبة) وهو عند السلف: اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص ].
فالإيمان محصور فيما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. فلا إيمان إلا إيمانهم ولا حقّ إلا الحق الذي كانوا عليه .. وطالب الهداية والنجاة بحق لا بد له من أن يلتمس الإيمان الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم .
أما الدلالة الثانية للآية: هي وجوب الإقتداء بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من إيمان وإلا فالبديل هو الشقاق والعذاب .. في الدنيا والآخرة .
وفي السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار) قيل: يا رسول الله من هم؟ قال:( الجماعة ) [ صحيح سنن ابن ماجه: 3226 ] .
وفي رواية عند الترمذي من حديث عبد الله ب عمرو: ( وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ) قال: من هي يا رسول الله؟ قال( ما أنا عليه وأصحابي ) . [صحيح سنن الترمذي:212 ] .
فجاء هذا الحديث مفسراً لما قبله حيث دل أن الفرقة الناجية من بين الفرق هي(الجماعة) والجماعة التي يجب أن يُكثر سوادها هي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الدين والإيمان وإن قل عددها فالحق لا يُقاس بالكم وإنما بمدى مطابقته وموافقته لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لعمرو بن ميمون: جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك .
وقال نعيم بن حماد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ .
قال ابن القيم في أعلام الموقعين: اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض ا- هـ.
ومنه يعلم أن الجماعة تعرف بالحق الذي هي عليه وليس بكثرة أفرادها وأنصارها فإن السنة دلت أن الحق بدأ غريباً وسيعود غريباً كمابدأ والقابض على دينه منهم يومئذ كالقابض على جمر من نار والغرباء الذين أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خيراً هم :( ناس صالحون قليل في ناس سوءٍ كثير ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) [ أخرجه أحمد وغيره، السلسلة الصحيحة : 1619].
وقال صلى الله عليه وسلم :( ما صُدق نبي من الأنبياء ما صُدقت إن من الأنبياء من لم يُصدقه من أمته إلا رجل واحد )  مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى: يا آدم أخرج بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( البخاري) .

مصداق ذلك في كتاب الله قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ يوسف: 106.
وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ الأنعام:116.
قال حسن البصري: فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكونوا كذلك ا- هـ. 
قلت : ومنه تعلم فساد المبدأ الذي تقوم عليه الديمقراطية والذي تتنادى الشعوب والحكومات لتطبيقه ألا وهو مبدأ تقديس حكم الأكثرية .. والرضى بما تجتمع عليه أكثر الأصوات بغض النظر عن ماهية هذا الشيء الذي تجتمع عليه هل هو من الحق أم من الباطل وهل هو موافق لكتاب الله وسنة رسوله أم أنه مخالف.؟!
ومن الأحاديث كذلك التي تدل على وجوب الاقتداء بفهم السلف الصالح والتماس هديهم وطريقتهم دون غيرهم قوله صلى الله عليه ولم :( أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد عليكم بالجماعة و إياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) [أخرجه ابن ماجه والترمذي، صحيح سنن الترمذي:1758] .
وقال صلى الله عليه وسلم :( سترون من بعدي اختلافاً شديداً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة ) [ صحيح سنن ابن ماجه : 40 ] .


فدل أن الملاذ والنجاة عند اشتداد الفرقة والاختلاف وظهور الأهواء والفتن هو بالتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده .. ونبذ كل ما خالف ذلك .
وقال صلى الله عليه وسلم :( قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم ما عرفتم في سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ) [صحيح سنن ابن ماجه:41] .
وقال صلى الله عليه وسلم :( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) [صحيح سنن ابن ماجه: 97 ].
وقال صلى الله عليه وسلم :( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) متفق عليه.
وقال : ( احفظوني في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب) [أخرجه ابن ماجه وغيره، السلسلة الصحيحة : 1116].
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ) قال: ولا أعلم أذكر الثالث أم لا . ( ثم ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون ويفشو فيهم السمن ) [رواه مسلم وغيره، صحيح سنن الترمذي:1810] .
     وفي رواية:( ثم يأتي من بعدهم قوم، يتسمَّنون ويحبون السمن [أي يطلبون أنواع الطعام المختلفة الألوان والمذاق التي تؤدي بهم إلى السمنة والتخمة] يعطون الشهادة قبل أن يسألوها ).
وقال تعالى في الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين:( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة:100.
وقال تعالى:( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)  الفتح:29 .
فقوله تعالى: والذين معه أي من الصحابة .
وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) الأنفال:72
والذين هاجروا هم الصحابة من المهاجرين والذين نصروا هم الصحابة من الأنصار الذين نصروا من هاجر إليهم من المؤمنين .
وقال تعالى:( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة :117 .
وقال : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) الحديد:10.
وقال تعالى:( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر:10.

وقال:( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح: 18
والذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يوم الحديبية يزيد عددهم عن ألف وأربعمائة صحابي .
وفي السنة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) رواه مسلم. وفي رواية:( إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد ـ إن شاء الله ـ ممن شهد بدراً والحديبية )  رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيءٌ، فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تسبوا أحداً من أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُد [المد: مكيال معروف تقدر به الأشياء؛ قُدر بحفنة من كفّي الرجل المعتدل الكفين . والنصيف: هو النصف] أحدهم ولا نصيفه) متفق عليه.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى خالداً ـ وهو صحابي جليل لكن تأخرت صحبته إلى ما بعد صلح الحديبية ـ أن يسب عبد الرحمن بن عوف الذي أسلم قبل الفتح وأنفق وقاتل في سبيل الله فهو بذلك أعظم منه درجة وأولى منه بحق الصحبة .. فكيف إذاً بمن ليس من الصحابة ولا من التابعين [ كما يفعل الشيعة الروافض عليهم من الله ما يستحقون حيث أن دينهم يقوم على أساس بغض الصحابة وشتمهم والطعن بهم !
   وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار:( لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله )  وفي رواية: ( لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر) .
   قلت: إذا كان الإيمان ينتفي عن رجل يبغض الأنصار فكيف بمن يبغض الأنصار والمهاجرين والتابعين لهم بإحسان ويشتمهم ويلعنهم ويكفرهم ويكفر من يواليهم ويترضى عليهم .. كما تفعل الرافضة الإثنى عشرية طائفة الشقاق والنفاق ..؟! لاشك أنهم أولى بالكفر والنفاق وانتفاء الإيمان. 
   وفي الحديث الذي يرويه ابن عباس مرفوعاً:( من سبَّ أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ). [ السلسلة الصحيحة: 2340 ] ] ؟!
لا شك أنه أولى له .. ثم أولى له بأن يمسك عن الخوض أو الطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  .
وفي الحديث:( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ) [أخرجه الطبراني، صحيح الجامع: 545 ] . أي أمسكوا عن الخوض فيهم بسوء ولا تسترسلوا في الكلام عنهم بطريقة لا تليق بفضلهم ومكانتهم العظيمة .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال:( لا تسبوا أصحاب محمد فلمُقام أحدهم ساعة ـ يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ خير من عمل أحدكم أربعين سنة ) [أخرجه أحمد وغيره وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني في تخريجه لأحاديث شرح العقيدة الطحاوية. قلت: كلام ابن عباس رضى الله عنهما موجه للمسلمين في زمانه لمن ليس لهم حظ صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا كان هذا شأن التابعين قياساً للصحابة فكيف بمن جاء بعدهم من المتأخرين وبخاصة في زماننا هذا..؟!] . وفي رواية :( خيرٌ من عبادة أحدكم عمُرَه ).


وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه [ ابن مسعود هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:( تمسكوا بعهد ابن مسعود). رواه الترمذي وغيره  السلسلة الصحيحة: 1233 ] قال:( إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فوجد قلبَ محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء ) 

[ قال الشيخ ناصر في تخريج ( الطحاوية): حسن موقف أخرجه الطيالسي وأحمد وغيرهما بسند حسن. قلت: مصداق ذلك في الحديث الذي يرويه أنس قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فأثني عليها خيراً وتتابعت الألسن بالخير، فقالوا: كان ـ ما علمنا ـ يحب الله ورسوله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:(وجبت وجبت وجبت)، ومر بجنازة فأثني عليها شراً، وتتابعت الألسن لها بالشر فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:( وجبت وجبت وجبت)، فقال عمر: فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثنى عليها خيراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر بجنازة فأثنى عليها شراً فقلت وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيت عليه شراً وجبت له النار الملائكة شهداء الله في السماء وأنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض ). أخرجه البخاري ومسلم( أحكام الجنائز ) للشيخ ناصر. ].



خطأ تقديم فهم الخلف على فهم السلف

ومما تقدم يعلم خطأ مَن يقدم فهم الخلف على فهم السلف ويقول: عقيدة السلف أسلم أما عقيدة الخلف فهي أحكم ..! مشيراً إلى موقفهما المتباينين تجاه عقيدة الأسماء والصفات حيث أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان يؤمنون بأسماء الله تعالى وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل بينما كثير من الخلف ـ بحجة التنزيه  وبحكم انشغالهم بعلم الكلام ومذاهبه ـ تراهم يعطلون الصفات ويؤولونها على غير ظاهرها ومدلولها الشرعي كقولهم في قوله تعالى: ( استوى على العرش ( أي استولى وقهر ففروا من صفة مثبتة في الكتاب والسنة إلى صفة هي من بنات عقولهم وأهوائهم .

والشاهد هنا أن يدرك القارئ مقصودهم من العبارة، بأن الخلف أحكم من السلف وليس مرادنا مناقشة عقيدة الخلف فهذا له موضع آخر [انظر كتاب تهذيب شرح العقيدة الطحاوية ].
ولكن هذا القول: بأن الخلف أحكم من السلف لا بد من أن نثبت فساده وبطلانه [لأن هذه المقولة تكاد أن تكون عند المتأخرين قاعدة من قواعد أصولهم على أساسها يقدمون فهم الخلف على فهم السلف ويردون الآثار السلفية .. ويقوم مجمل تصورهم العقدي والفقهي لذا إثبات بطلانها هو إثبات لبطلان كل ما بني على أساسها لأن ما بني على باطل فهو باطل] وذلك من أوجه :
منها : أن هذا القول يتضمن التكذيب والرد للنصوص الشرعية الصحيحة الدالة على فضل الصحابة على من بعدهم، وفضل الذين بعدهم على من بعدهم .. وفضل من سار على نهجهم ممن جاء بعدهم على من أحدث في الدين وابتدع !
ومنها: أن هذا القول فيه انتقاص صريح من قدر الصحابة والتابعين لهم بإحسان وطعن خفي بهم .. وقد تقدم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الصحابة والخوض فيهم بما لا ينبغي ولا يليق بحقهم وفضلهم !
ومنها: أن الصحابة ـ سلفنا الصالح ـ قد رضي الله عنهم وأثنى عليهم خيراً في كتابه العزيز وكثير منهم مشهود لهم بالجنة بأعيانهم [المعروف عند عامة الناس أن المبشرين بالجنة من الصحابة هم عشرة فقط وهذا غلط وهو بخلاف النصوص الصحيحة التي دلت أن كثير من الصحابة ـ غير العشرة مبشرون بالجنة ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) والذين بايعوا تحت الشجرة يزيدون عن ألف وأربعمائة من الصحابة كما تقدم] فأين الخلف من هذه الخاصية الفريدة ؟! 
والله تعالى إذ يرضى عن الصحابة فهو يرضى عنهم لسلامة دينهم واعتقادهم ولاستقامتهم على المنهج السوي الصحيح وليس لذواتهم ولنسبهم كما في قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13

وقال صلى الله عليه وسلم:( إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا )[ رواه ابن أبي عاصم في السنة وصححه الشيخ ناصر في التخريج ] وهذا المعنى متواتر في دين الله والحمد لله .
وإذا كان الدين الذي كان عليه الصحابة هو السبب في رضى الله عليهم دل أن مخالفتهم فيما كانوا عليه من التدين والفهم والاعتقاد هو مدعاة لغضب الله وليس رضاه والمسلم العاقل هو الذي ينشد ما يرضي الله تعالى عليه وليس ما يسخطه ويغضبه سبحانه وتعالى .
ومنها : أن الشارع أمر بالاقتداء بالسلف الصالح كقوله صلى الله عليه وسلم:( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) وقوله صلى الله عليه وسلم:(أحفظوني في أصحابي) وأين الخلف ـ وبخاصة منهم من خالف السلف الصالح في الفهم والمنهج ـ من كل ذلك ..؟!
 
ومنها : أن من عاصر نزول الوحي وأسباب نزول كل آية ورافقوا النبي صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله وتلقوا العلم ـ مباشرة ـ منه غضاً ندياً لاشك أنهم هم الأفقه والأعلم بمراد الشارع من غيرهم ممن فاتتهم هذه الخاصية العظيمة .
ومنها : أن الصحابة ـ كما تقدم في أدلة عديدة ـ حبهم إيمان ودين وبغضهم كفر ونفاق .. فأين الخلف وبخاصة منهم من خالف نهج السلف من ذلك .؟! 
لأجل هذه الأوجه نقول: إن هذه المقولة (الخلف أحكم من السلف) هي عين الظلم والجور وهي اعتداء صريح على من خصهم الله تعالى لنصرة دينه ونبيه وبالتالي لا يجوز للمسلم أن يتفوه بها بصيغة الرضى والمدح .
والذي نجزم به ونلقى الله عليه: أن السلف الصالح رضوان الله عليهم هم الأسلم والأحكم والأفقه والأتقى لله عز وجل والخلف قيمتهم تأتي من جهة  إقتدائهم والتزامهم بمنهج وفهم السلف وعلى قدر التزامهم بذلك .. ومن تطاولوا منهم على السلف الصالح بشيء من التعقيب والرد والاعتراض ـ بغير سلطانٍ من الله تعالى ـ فقد حط من قدره بقدر ما تطاول عليهم وهذا الاعتقاد والتصور هو من أبرز ما تتميز به الطائفة الناجية المنصورة عن غيرهم من الطوائف والجماعات .


تتمة الصفة الأولى من صفات الطائفة المنصورة

وكون إتباع الكتاب والسنة ـ من دون تعصب لما يخالفهما من أقوال الرجال والمذاهب ـ هو من أبرز ما يميز الطائفة المنصورة فإن ذلك يظهر من وجهين :

الوجه الأول: يكمن في وصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك فهم  ( يقاتلون على أمر الله ) و( وظاهرين على الحق) والدين قائم بهم يقاتلون الناس عليه وهم ( يقاتلون على الحق ) و ( قائمة بأمر الله ) وغير ذلك من الصفات التي تجمع على أنهم على الدين الصحيح الذي يرضي الله ورسوله؛ وهو الدين الذي جاء في الكتاب والسنة .. قال الله .. قال الرسول مع مراعاة فهم السلف الصالح لنصوص الوحي كما تقدم .

أما الوجه الثاني: فإنه يكمن في أن مخالفة الكتاب والسنة يعتبر من أكبر الكبائر ولربما يؤدي بصاحبه إلى الكفر والخروج من دائرة الإسلام [مخالفة الكتاب والسنة: منه ما يكون عن اجتهاد وغير قصد وهذا صاحبه يؤجر إن كان من ذوي الاجتهاد كما قال صلى الله عليه وسلم في ( الصحيحين ) : ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) .
   ومنه ما يكون معصية دون الكفر: وذلك عندما يقع المرء في المخالفة ـ في غير مسائل الشرك الأكبر ـ عن ضعف ونزوة من غير استحلال ولا تحسين .. ومع اعترافه في الوقوع في الخطأ والتقصير.
 ولا يُشترط الاستحلال أو التحسين أو الاعتراف بالخطأ عند وقوعه في الشرك الأكبر أو الكفر البواح إذ الكفر يكون كفراً لذاته سواء ضُمّ إليه الاستحلال القلبي أم لم يُضم . 
 ومنه ما يكون كفراً مخرجاً من الملة: وهو الذي يقع في المخالفة عن علم وقصد مستحلاً لمخالفته أو مزيناً لها راضياً بها وكذلك إذا كانت مخالفته ناتجة عن جحود للمشروع أو عن إعراض وكبر وعناد أو عن استهزاء واستخفاف بأمر الله وأمر رسوله أو عن كره وبغض لشرع الله عز وجل فكل هذه الأوجه إذا وقعت المخالفة بسببها أو بسبب واحد منها فإن صاحبها يكفر ويخرج من دائرة الإسلام إن كان قبلها من المسلمين] 

 وهذا أمر أبعد ما تكون عنه الطائفة المنصورة فحاشاهم أن يقعوا في ذلك عن علم وقصد ولو وقعوا في شيء من المخالفة .. فهذه المخالفة لا تتحول إلى منهج يتبعونه ويدعون إليه .. فهم اكتسبوا صفة نصر الله لهم لقيامهم على أمر الله ونصرة دينه فإذا انتفى عنهم ذلك كان لزاماً أن ينتفي عنهم نصر الله وكذلك مسمى الطائفة الظاهرة المنصورة .
كما قال تعالى:( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)  سورة محمد: 7. مفهوم الآية: أي إن لم تنصروا الله ـ بالتزام دينه وأوامره ـ لا ينصركم وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لابن عباس:( احفظ الله يحفظك ( أي إذا لم تحفظ الله تعالى في حدوده بحيث تأتمر بما أمر وتنتهي عما نهى وزجر لا يحفظك الله مما لا ترغب أن ينزل بساحتك من خطوب ومصائب وفتن .
وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)  النساء:59 .
قال ابن القيم: قوله ( فإن تنازعتم في شيء)  نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقِّه وجله جليَّهُ وخفيه ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله[لعل الصواب: وسنة رسوله] بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع .
ومنها : أن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه والرد
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته .
ومنها : أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر[ أعلام الموقعين: 1/ 49- 50 ]
وكذلك قوله تعالى:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما ) النساء:65.
قال ابن كثير في التفسير 1/553: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ا- هـ.
وقال ابن القيم: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح وتنفسح له كل الإنفساح وتقبله كل القبول ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى يضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض[ التبيان في أقسام القرآن 270 ] .
وفي قوله تعالى:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) آل عمران :31  قال ابن كثير: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله[التفسير: 1/ 366].
وقال تعالى:( ً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَة أو يصيبهم عذاب أليمٌ) النور:63.
قال الإمام أحمد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو:( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) النور:63.
وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه وجعل يتلو هذه الآية:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) النساء:65. وقيل له: إن قوماً يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان فقال: أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره! قال الله: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وتدري ما الفتنة؟ الكفر قال الله تعالى : ( والفتنة أكبر من القتل) فيدعون  الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي!![الصارم المسلول لابن تيمية:56]
وكذلك قوله تعالى:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا )   الحشر:7

قال ابن تيميه رحمه الله تعالى: فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه فليس لأحد من المشايخ والملوك والعلماء والأمراء والمعلمين وسائر الخلق خروج عن ذلك وكل من أمر بأمر كائناً من كان عرض على الكتاب والسنة فإن وافق ذلك وإلا رد كما جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [الفتاوى: 28/ 24] أي فهو مردود .
وفي قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)  الحجرات:2
قال ابن القيم: فإذا كان رفع صوتهم سبباً لحبوط أعمالكم فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم؟![ أعلام الموقعين : 1/ 51].
وفي السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي ) .
وقال صلى الله عليه وسلم:( أبشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تهلكوا ولن تضلوا بعده أبداً ) [رواه الطبراني، صحيح الجامع الصغير:34] .
وقال صلى الله عليه وسلم :( القرآن شافعٌ مُشفَّع وماحِلٌ مُصدَّقٌ من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) [السلسلة الصحيحة: 2019] .
وقال صلى الله عليه وسلم:( كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ) [السلسلة الصحيحة: 2024] .  
وقال صلى الله عليه وسلم:( يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل. فما وجدنا فيه حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمنا ألا ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) [صحيح سنن ابن ماجه: 12. 

قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فها نحن في هذا الزمان نُبتلى بطائفة تُسمي نفسها بالقرآنيين .. يردون السنة ولا يقبلون إلا القرآن الكريم .. ويقولون الحجة بيننا وبينكم القرآن فقط .. فما حلله القرآن حللناه وما حرمه القرآن حرمناه .. وما أثبته القرآن أثبتناه وما نفاه نفيناه .. منكرين بذلك السنة !!
 وفريق آخر من الفساق والعصاة ألفت نفوسهم التفلت من قيود الشرع .. تنادوا فيما بينهم أننا لا نحرم إلا ما حرمه القرآن .. رغبة منهم في الفسوق والعصيان !] وقال صلى الله عليه وسلم:( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) متفق عليه .
وغيرها كثير من النصوص التي تدل على وجوب إتباع الكتاب والسنة والتحاكم إليهما من غير تعقيب أو استدراك أو اعتراض أو تقديم بين يدي الله ورسوله بقول أو فهم وهذا من لوازم الإيمان وشروط صحته.
وشاهدنا من جميع ما تقدم أن صفة إتباع الكتاب والسنة وفهمهما على النهج الذي كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم هي من أبرز وأهم  صفات الطائفة الظاهرة المنصورة التي تميزها بها عمن سواها كما أن جميع صفات الطائفة المنصورة الأخرى هي مستمدة من هذه الصفة، وتابعة لها، وتعتمد عليها اعتماداً رئيسياً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis