سيد قطب رحمه الله تعالى




من هو سيد قطب



ولد سيد قطب عام 1906 . وأعدم عام 1966 .* استقال من وزارة المعارف المصرية / مراقب بمكتب وزير المعارف - إسماعيل القباني / عام 1954 بسبب عدم تبني الوزارة لإقتراحاته ذات الميول الإسلامية .

* اعتقل ضمن زعماء الإخوان في محاولة إغتيال عبد الناصر عام 1954 - بعد الإستقالة - وتم الإفراج عنه بتدخل الرئيس العراقي / عبد السلام عارف / عام 1964

* له العديد من المقالات الأدبية والتربوية والإجتماعية والسياسية .

* كانت أكبر علاقاته المميزة مع / عباس محمود العقاد / أستاذ / سيد قطب / . وهوجم كثيرآ بسبب هذه العلاقة الأدبية والفكرية ، وخاصة من بعض الإسلاميين  ومن حزب الوفد الذي كان عضوآ فيه وعضوآ بعدها في حزب السعديين قبل إنضمامه لجماعة الإخوان المسلمين .

قال في هذه الأحزاب : [ لم أعد أرى في حزب من هذه الأحزاب مايستحق عناء الحماسة له والعمل من أجله ] .

* تروى بعض المصادر : ان الضباط الأحرار قبيل الثورة كانوا يتشاورون مع سيد قطب حول الثورة واسس نجاحها . والذي يؤكد ذلك : أنه تم تعيينه من قبل قيادة مجلس الثورة مستشارآ للثورة في أمور داخلية وأوكلت له مهمة تغيير المناهج التعليمية التي عُمل بها في مصر وكانت هرمة متخلفة .

* كان لمقالاته أهمية كبيرة والتي دعا فيها الشعب المصري للخروج على سياسة القهر والرجعية المصرية قبل الثورة .

* حاول سيد قطب التوفيق بين عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين ولم يفلح فإنضم إلى الجماعة وإنحاز إليها  ورفض جميع المناصب التي عرضت عليه من الثورة مثل : منصب وزير المعارف .

* كان إعدام / سيد قطب / من أكبر أخطاء نظام عبد الناصر .. رغم دعوته إلى قلب نظام الحكم وتحويله إلى نظام إسلامي صرف .

* يعتبر / سيد قطب / أن المجتمع الإسلامي لايمكن تحقيقه إلا بقيام عصبة مؤمنة تفاصل المجتمعات الجاهلية ثم تتحرك لإزالة هذه المجتمعات بالقوة . فمعركة الصراع بين المجتمعات الجاهلية والإسلام هي معركة لاتتوقف .

* يدعو / سيد قطب / إلى مواجهة النظم الداخلية التي يرى أنها جاهلية ثم يعتبر أن دار الإسلام هي الدار الوحيدة التي يمنحها المسلم ولاءه وأن العالم كله هو دار حرب يقف المسلم منه موقف حرب حتى يدفعوا الجزية ...

* هاجم نظام الثورة ونظام عبد الناصر ، بإعتباره يستلهم القيم الغربية ذات الروح الصليبية اليهودية .

* وقفت جماعات عديدة من الأخوان المسلمين ضده إذ رأت أن الطرح الجديد لسيد قطب يسير في الإتجاه المعاكس لما كان قادة الجماعة قد وصلوا إليه وخاصة في الأفكار التي أرساها كتاب ( دعاة لا قضاة ) من أفكار مؤسس الجماعة  حسن البنا رحمه الله  .

* مر / سيد قطب / في حياته بثلاثة مراحل : ماقبل الإلتزام - مرحلة التحول إلى الإسلام والعمل ألإسلامي - مرحلة الإلتزام والإنطلاق في الدعوة إلى : الدين  والجهاد

-  في المرحلة الأولى : يؤخذ عليه كتابه المعروف ( التصوير الفني في القرآن ) وهو طامات كبرى في ميزان العقيدة والتوحيد . كأحد المآخذ الكثيرة التي تؤخذ عليه من خلال كتاباته ومواقفه .

-  في المرحلة الثانية : حتى 1950 تجرأ على الكتابة في مسائل قبل أن يتمكن من علوم الإسلام وبخاصة منها علوم الحديث والفقه مما أدى إلى وقوعه في بعض الأخطاء كما في كتابه ( العدالة الإجتماعية ) الذي صدر عام 1948 داعيآ إلى الإشتراكية وطعنة في الصحابة وعلى رأسهم / عثمان بن عفان / لما إعترى النظام من فساد وإنجراف وإنحراف بسببه . فكانت حقبة النقد الجارح لبعض صحابة رسول الله .

-  المرحلة الثالثة : مرحلة الدعوة للجهاد والتمرد من 1950 وحتى 1966 تاريخ إعدامه .

* إعتبره كثير مبدعآ أدبيآ وكاتبآ ناقدآ وفاق فحول زمانه بالأدب وفنونه وفي الكتابة والقراءة والتدريس .

* وقع / سيد قطب / في أخطاء - كما يؤخذ عليه - لا يُقر عليها  ولا يُتابع فيها  ويُحذر منها .

مثل : وقوعه في التأويل المذموم وموافقته لمذاهب " الأشاعرة " في صفات الله  ومنها أيضآ قوله : بعدم حجية خبر الآحاد في العقائد  وهذا بخلاف ماعليه أهل السنة والجماعة .

* هوجم كثيرآ على كتابه ( في ظلال القرآن ) وبأنه : ضلال وظلام  وأوصاف مجحفة كثيرة  مع بعض الدعوات لإحراقه وإتلافه - 4000 صفحة - .

* كان من المعتدلين الذين وقفوا منه موقف متوازن : الشيخ المحدث / محمد ناصر الدين الألباني / رحمه الله . فكان يصفه [ بالأستاذ الكبير سيد قطب ] .

* كان ممن هاجموه بشده / ربيع المدخلي / وأنصاره ومريدوه ووصفوه بالضلال والجهل  وغير ذلك من الألفاظ الجائرة . كذلك : الحلبي ، والهلالي وطائفة كبيرة من العلماء .

وأخيرآ ... وكبداية لمدخل قادم عن فكر / سيد قطب رحمه الله تعالى / أثبت مقولته التالية :





[ نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ماحولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم  عاداتهم وتقاليدهم  موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم  شرائعهم وقوانينهم  حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية  ومراجع إسلامية  وفلسفة إسلامية  وتفكيرآ إسلاميآ .. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .. فلا بد إذآ في منهج الحركة الإسلامية  أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين  من كل المؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ] ...

 وفسر كثيرون من مهاجمى سيد قطب هذا الكلام على أنه تكفير بالجملة للمجتمعات الاسلامية ولكن هذا فيه إجحاف كبير فليس هذا هو المفهوم الصحيح لكلام سيد قطب رحمه الله فالجاهلية ليست مرادفا  للكفر أبداً ولكنها صفة قد توجد فى المسلم وغير المسلم .. ولهذا حديث أخر إن شاء الله تعالى .
   ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------                                              

                                      سيد قطب      


                                           


قد كثر مؤخراً الكلام على سيد قطب رحمه الله بين طاعن ومادح .. واختلط الأمر على كثير من الشباب .. ومثال ذلك حملة ربيع المدخلي ومن معه من أتباعه ومقلديه .. كالحلبي والهلالي .. على سيد وعلى كتب وفكر سيد رحمه الله  .. فما تقييم ذلك وما هو الرأئ السديد في سيد قطب رحمه الله ..؟؟

عند الحديث عن كبار أهل العلم وإرادة تقييمهم والحكم عليهم بالجرح أو التعديل لا بد من النظر إلى عدة أمور منها : النظر إلى مجموع حسنات العالم ومجموع مواقفه وأحواله .. ومن جهة أخرى النظر إلى مجموع سيئاته أو أخطائه إن وجدت وإجراء عملية الترجيح بينهما وبيان أيهما يغلب ويرجح على الآخر ..!

  ومنها : رد المتشابه من أقواله وكلامه إلى المحكم .. وبناء الأحكام عليه وعلى أفكاره ومذاهبه من خلال المحكم الصادر عنه وليس المتشابه .. حيث ما من عالم إلا وله عبارات متشابهة حمالة أوجه لو أخذت بمفردها وحوكم على أساسها لظلم العالم وفُهم خطأ وربما لضلل وفُسق .. ولكن عندما يرد هذا المتشابه إلى المحكم من كلامه ومواقفه، فإن الصورة تتضح أكثر ويكون الحكم والقرار أقرب إلى الإنصاف والعدل .

  ومنها : النظر إلى مجموع مراحل الطلب والالتزام الذي مر بها العالم .. والتفريق بين مراحل ما قبل الالتزام ـ إن وجدت ـ وبين مراحل ما بعد الالتزام واعتماد المراحل الأخيرة من حياته واجتهاداته وإطلاقاته .. فالعبرة بالخواتيم وبما يُختم به على المرء 

  فمن الظلم كل الظلم أن تقيم الإنسان من خلال حياته المنحرفة أيام جاهليته ـ إن وجدت ـ  وتغض الطرف عن مرحلة ما بعد ذلك من التوبة والاستقامة والالتزام والجهاد التي خُتمت بها حياته ..!

   ومنها : مراعاة الظروف والأجواء والملابسات المحيطة به لحظة وقوع العالم في الخطأ .. فهي تعيننا على فهم مراده وقصده مما قد أخطأ فيه .. والدافع الذي حمله على الوقوع في الخطأ !  ثم أن هذه الأجواء والملابسات المحيطة به إن لم تمنع من تخطئته والإشارة إلى قوله أو فعله بأنه خطأ إلا أنها قد تمنع تكفيره أو تضليله وتفسيقه ..!

  ومنها : التجرد من الهوى والتحامل المجحف والأحكام المسبقة عندما يريد الإنسان أن يقيّم إنساناً آخر، وبخاصة إن كان هذا الآخر عالماً من علماء الأمة له سابقة جهاد وبلاء في سبيل الله .. وما أقل هؤلاء المنصفين المتجردين من أهوائهم للحق في زماننا !!

   فهذا التمهيد هام وضروري بين يدي الجواب على السؤال الوارد أعلاه والخاص بسيد رحمه الله .. وألخص الجواب على هذا السؤال في النقاط التالية :

  1-  مر سيد قطب رحمه الله في حياته في ثلاثة مراحل: مرحلة ما قبل الالتزام ومرحلة التحول إلى الإسلام والعمل الإسلامي ومرحلة النضج والالتزام والانطلاق الجاد في الدعوة لهذا الدين والجهاد في سبيل الله وهذه مراحل المتأخر منها ناسخ لما تقدم منها .

   فمرحلة ما قبل الالتزام بالدعوة والعمل الإسلامي امتدت تقريباً إلى سنة 1945 .. تقلب فيها سيد بين حزبي الوفد والسعديين ومناصرة العقاد وأدبه وفكره .. وفي هذه المرحلة كتب سيد مقالات وأبحاث عدة يؤخذ عليه كثير مما كتب فيها .. ولو أراد المرء أن يقيم سيد من خلال كتاباته ومواقفه في تلك المرحلة التي أنهاها بكتابه المعروف " بالتصوير الفني في القرآن " لخرج بطامات لا يستهان بها في ميزان العقيدة والتوحيد .. ولكنها حياة منسوخة بالنسبة لسيد بما صدر عنه فيما بعد من كتابات ومواقف .

  فليس من الإنصاف والعدل أن يعكف المرء على كتابات سيد في تلك المرحلة ـ التي يسميها سيد نفسه في أكثر من موضع في الظلال وغيره بأنها مرحلة الضياع ـ ثم يخرج للناس ليقول لهم انظروا ماذا يقول سيد .. وهذه هي مواقف سيد  ؟!!

   أما المرحلة الثانية : وهي مرحلة التحول إلى العمل الإسلامي والتي انتهت تقريباً في نهاية عام 1950 .. في هذه المرحلة تجرأ سيد على الكتابة في مسائل لم يُسبق إليها من أحد  وقبل أن يتمكن من علوم الإسلام وبخاصة منها علمي الحديث والفقه مما أدى إلى وقوعه في بعض الأخطاء التي أخذت عليه كما في كتابه " العدالة الاجتماعية " الذي يُعتبر أول كتاب إسلامي له .. والذي كتبه عام 1948 تقريباً في أوج استفحال الاشتراكية وانتشارها في الأمصار مما حمل بعض الدعاة آنذاك أن يتكلموا ويكتبوا عن اشتراكية الإسلام مواكبة للتيار الجارف الداعي للاشتراكية .. من جملة هذه الأخطاء التي أخذت على سيد في كتابه المذكور طعنه ببعض الصحابة وعلى رأسهم عثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين .. معتمداً في ذلك على روايات غير محققة وأكثرها موضوعة ومكذوبة ـ من صنع الروافض ـ لا تصح من حيث السند ولا من حيث المعنى ..!

   فإن قيل أن سيد قطب لم يكن يريد الطعن لمجرد الطعن على طريقة الروافض الخبثاء .. وإنما أراد أن يظهر عظمة النظام الاقتصادي في الإسلام وما كان قد اعترى هذا النظام من فساد وانحراف في أواخر عهد الخليفة الثالث عثمان رضى الله عنه ..؟!

    أقول : مهما قيل عن الدافع والملابسات التي حملت سيد ـ في تلك الحقبة والمرحلة ـ على النقد الجارح لبعض الصحابة رضي الله عنهم فهو مخطئ  وخطأه مردود عليه لا يُتابع فيه  .. !

  لكنها مرحلة كذلك لا يجوز أن يُقيم سيد رحمه الله من خلالها .. وبخاصة أنه يُنقل عن سيد أنه تخلى عنها وعن كثير مما كتب فيها .. كما يُنقل ذلك عن أخيه محمد قطب وغيره من الباحثين [ انظر سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، ص 509 ]!

   المرحلة الثالثة : وهي مرحلة النضج والجهاد والبلاء .. التي تعتبر ناسخة لجميع مراحل حياة سيد المتقدمة والتي بدأت في أوائل الخمسينيات .. وانتهت بنهاية حياة سيد معلقاً على أعواد مشانق الطواغيت، بعد عدة سنوات قضاها في سجون الظالمين  !!

  وفي هذه المرحلة الناسخة صدر عن سيد رحمه الله الكتب التالية: الظلال وهذا الدين والمستقبل لهذا الدين وخصائص التصور الإسلامي ومقومات التصور الإسلامي والإسلام ومشكلات الحضارة وكتابه العظيم معالم في الطريق ..

   فمن أراد أن يقيّم سيد قطب وإنجازه العلمي عليه أن يعكف على هذه المرحلة من حياته وعلى إنجازاته العلمية التي أنجزها في تلك المرحلة الجادة من حياته .

    2 -  عند تقييم سيد ـ رحمه الله ـ ينبغي النظر إلى جميع جوانب سيد : الإبداعية العلمية منها إضافة إلى مواقفه الدعوية والجهادية وما تعرض له من بلاء وتعذيب في سبيل الدعوة إلى الله .. كما ينبغي النظر إلى الخاتمة التي ختم عليها سيد التي تجب ما قبلها وهي خاتمة خير وشهادة إن شاء الله ولا نزكيه على الله .. فهذا كله يجب أن يكون معتبراً عند التقييم والحكم على سيد قطب رحمه الله !

   فكثير من الدعاة يكتب كتابات جيدة ومنمقة .. ولكن لا يواكبها مواقف دعوية ترقى بصاحبها إلى مستوى الكلمات التي خطها في كتبه .. ولو نظرت إلى كثير من هؤلاء لوجدتهم يتوسدون عتبات الطواغيت يستعطفونهم المن والعطاء .. مع علمهم أن الطاغوت لا يمكن أن يقبل منهم مقابل ذلك العطاء أقل من الولاء والجدال عنه في الباطل والزور .. فمثل هؤلاء أنى تنفعهم كتبهم ومؤلفاته المنمقة والمدعومة .. وهم في نفس الوقت يكذبونها بمواقفهم العملية والتي هي أصدق تعبيراً عما في أنفسهم من أمراض وآفات !!

   3 -  قد وقع سيد قطب رحمه الله في أخطاء لا يُتابع فيها ولا يُقر عليها .. ويُحذر منها ـ أي من الأخطاء ـ كل من أراد أن يطالع كتب سيد .. من تلك الأخطاء: وقوعه في التأويل المذموم وموافقته لمذاهب الأشاعرة في الصفات .. ومنها قوله بعدم حجية خبر الآحاد في العقائد وهذا بخلاف ما عليه أهل السنة والجماعة .. !

   فهذه الأخطاء لا يُتابع عليها سيد .. ويجب الاعتراف بأنها أخطاء وأن سيداً قد أخطأ في تلك المسائل .. وأنه لم يوفق إلى الحق والصواب فيها .. وهذا طبع البشر المجبولين على الخطأ .. والكمال عزيز .. وجلّ من لا يُخطئ  !!

  4 -  لم يكن سيد هو أول وآخر من أخطأ في مسائل الصفات .. وكذلك خبر الآحاد .. فإن كثيراً من فحول الأمة وعلمائها الأقدمين قد وقعوا في هذا النوع من الخطأ .. وسيد متابع لهم ولأقوالهم .. وذلك لم يمنع من إنصافهم والثناء عليهم بما أصابوا فيه .. والاستفادة من علومهم وكتبهم  النافعة !!

   فالإنصاف في هذه الحالة يقتضي أن يُقال: أصاب سيد في كذا .. وأخطأ في كذا .. وليس أخطأ في كذا ونعمي العين ـ لهوى متبع ـ عما قد أصاب فيه وأجاد .. وما أضخم هذا الجانب عند سيد رحمه الله ؟!!

    5 -  لسيد قطب ـ رحمه الله ـ حسنات تتمثل في جهاده وصدعه بالحق وبلائه الكبير في سبيل هذه الدعوة .. نرجو إن شاء الله أن تكون كفارة له عما قد أخطأ فيه .. فإن الحسنات يذهبن السيئات .. وكذلك البلاء فإنه يطهر صاحبه من الخطايا والذنوب والآثام إلى أن يجعله يمشي على الأرض وما عليه خطيئة واحدة .. والبلاء بالنسبة للمؤمنين وبخاصة منهم العلماء العاملين قرينة صريحة على قوة الإيمان والدين .

   كما في الحديث :" يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يزال بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " وقال صلى الله عليه وسلم :" وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". وقال صلى الله عليه وسلم :" أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل  .

    وسيد قطب ـ رحمه الله ـ قد ابتلي بلاء شديداً في سبيل الدعوة إلى الله وإلى دينه .. في سبيل شهادة التوحيد أن لا إله إلا الله .. حيث امتد اعتقاله في زنازين الطواغيت إلى أكثر من عشر سنوات .. إلى أن صدر الطاغوت بحقه حكم الإعدام شنقاً .. وكان سيد رحمه الله بإمكانه أن يريح نفسه من كل هذا العناء بكلمة اعتذار يخطها للطاغوت كما كان يتمنى الطاغوت ذلك منه ـ كلمة اعتذار بل كلمات تبجيل وولاء وفداء  يخطها كثير من الدعاة في هذا الزمان ممن ينقمون على سيد جهاده وصبره على البلاء .. من أجل فتات يسير يرميه إليهم الطاغوت أو حظ من حظوظ الدنيا يلتمسونه عنده .. وليس من أجل أن يعتقوا رقابهم من حكم الإعدام شنقاً ـ ولكن أبى سيد إلا أن يكون صادقاً مع الكلمة التي طالما كتب ودافع عنها ألا وهي شهادة التوحيد لا إله إلا الله .. وإن أدى ذلك إلى تعليقه على أعواد مشانق الطواغيت الظالمين !

    6 -  قبل أن يلتزم سيد بالإسلام كان أديباً حاذقاً .. قد اشتغل بالأدب وفنونه كتابة وقراءة وتدريسا حتى فاق فحول الأدب والبلاغة في زمانه .. وهذا ـ مما لا شك فيه ـ قد أثر على أسلوبه عندما كتب عن الإسلام في مراحله المتأخرة .. لذا قد يجد القارئ أحياناً بعض العبارات والاطلاقات المشكلة على الأفهام يغلب عليها الطابع الأدبي البياني .. فليس من العدل مثلاً أن يُحكم على " الظلال " هذا العمل النافع الضخم الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة .. بأنه " ضلال وظلام " وغير ذلك من الأوصاف الجائرة المجحفة .. من أجل تلك الاطلاقات أو العبارات المشكلة على الأفهام

    ليس من العدل والإنصاف أن يُحكم على " الظلال " هذا الكتاب العظيم .. الذي تجاوزت عدد صفحاته أربعة آلاف صفحة بالحرق والتلف ـ كما يقول بذلك بعض المعاصرين المشبوهين ـ من أجل أخطاء قد تحصر في صفحة أو صفحتين ..؟!!

   ولو صح هذا المنطق الأعوج الظالم  لتعين حرق كتب ومؤلفات جميع أهل العلم .. ولما بقي كتاب لعالم سالماً للأمة  !

    فما من عالم إلا وأخذ عليه في مسألة ومسائل .. وما من كتاب إلا وقيل فيه ورد عليه .. حاشا كتاب الله تعالى .. والكتب الحاوية للسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

   7 -  ما وقع فيه سيد من خطأ ـ قد تقدمت الإشارة إليه ـ لم يمنع الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ من أن يثني خيراً على سيد وأن يستدل بكلام سيد كما في مقدمة كتابه " مختصر العلو " حيث استدل بكلام لسيد قطب ـ بصيغة المدح والتأييد ـ ما يعادل ثلاث صفحات، وابتدأ كلامه: فها هو الأستاذ الكبير سيد قطب رحمه الله .. وبدأ بسرد كلامه ..!

   والسؤال :  إذا كان الشيخ الألباني يصف سيد قطب بالأستاذ الكبير ويترحم عليه .. ويستدل بكلامه في أكثر من ثلاث صفحات متتاليات في مقدمة الكتاب فقط .. فكيف بربيع المدخلي ومن تابعه من المقلدة الجهال يشتمون سيداً ويرمونه بالضلال وغير ذلك من الاطلاقات الجائرة .. ويحذرون منه ومن كتبه ..؟!

    فأيهما : على حق وصواب الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!!

    وأيهما أدرى بمبادئ وقواعد الجرح والتعديل .. الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!!

    وأيهما أولى بالاتباع والتقليد ـ إن جاز التقليد في مثل هذه المواضع ـ الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!

وأيهما السلفي ويمثل الرأي السلفي المعاصر الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!

    قلتم : أن الشيخ بكر أبو زيد قد أخطأ وخرج عن السلفية .. ونصر أهل البدع .. عندما لم يوافق المدخلي على جهالاته وإطلاقاته الجائرة بحق سيد رحمه الله .. فهل تجرؤون أن تقولوا في الشيخ ناصر ما قلتموه في الشيخ بكر ..؟!

  8 -  ومما استدل به الشيخ ناصر من كلام سيد بصيغة المدح والتأييد .. هو نفسه مما ينكره المدخلي على سيد أشد الإنكار ويعتبر  ـ بسبب جهله لقواعد التكفير ـ أن سيداً قد كفر الناس  والمجتمعات بهذه الكلمات ..!!

   وإليك الكلمات التي استدل بها الشيخ ناصر من كلام سيد رحمهما الله تعالى فقال الشيخ ناصر: ثم ذكر ـ أي سيد ـ رحمه الله عاملين آخرين ثم قال:" نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ما حولنا جاهلية .. تصورات الناس وعقائدهم عاداتهم وتقاليدهم موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم شرائعهم وقوانينهم حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيراً إسلامياً .. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية .. فلا بد إذن في منهج الحركة الإسلامية أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل المؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منه ..".

    هذا الكلام يستدل به الشيخ الألباني بصيغة المدح والتأييد كما في مقدمته لكتابه مختصر العلو  .. بينما المدخلي يعتبر هذا الكلام ـ بسبب جهله بضوابط وقواعد التكفير ـ أنه تكفير للناس والمجتمعات بأعيانها ..!!

   ومما حمل المدخلي على الحنق والحقد على سيد هذه العبارات وأمثالها التي تغيظ الطواغيت الظالمين .. ولكن أنظر ـ أيها الأخ السائل ـ الفرق بين موقف وفهم الشيخ ناصر لهذه الكلمات وبين موقف وفهم المدخلي لها

  ونعيد هنا ما كنا قد سألناه من قبل: أيهما السلفي ويمثل السلفية المعاصرة الشيخ ناصر .. أم المدخلي .. وأيهما أكثر فهماً للسلفية الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!!

وأيهما أكثر غيرة على السلفية الشيخ ناصر أم المدخلي ..؟!!

  9 -  كل ما تقدم يجعلنا نضع إشارات استفهام عديدة على موقف ربيع المدخلي المغالي تجاه سيد قطب وكتب سيد قطب  ..؟!

   ما الذي حمله على هذا الحنق والحقد وهذه الدعاية المكثفة ضد سيد وكتبه تحديداً .. أهو نصرة الحق والمنهج السلفي كما يدعي .. أم الرغبة الجامحة في خدمة طواغيت الحكم المعاصرين الذين تغيظهم كتب وأفكار سيد .. من خلال تنفير الناس عن فكر وكتب سيد رحمه الله ؟!

   من المستفيد من هذه الحملة الشعواء الطائشة على سيد وفكره وكتبه .. طلاب العلم .. المنهج السلفي .. أم طواغيت الحكم والكفر والجور .. الذين استهدفهم سيد في كثير من كتاباته وكلامه ومواقفه  ؟!

  آتوني بطاغوت واحد من طواغيت الأرض ممن يحكمون المسلمين بقوانين الكفر والشرك والظلم .. قد تكلم عليه ربيع المدخلي كلمة واحدة .. وليس كما يتكلم على سيد .. أو ألف فيه مقالاً وأوراقاً وليس كتباً ومؤلفات كما كتب في سيد .. أو حذر الأمة من شره وكفره وخطره كما يحذر الناس من سيد ومن فكره ..؟!

  أم أن تحذير الأمة من كفر الطواغيت وإجرامهم وباطلهم لا تخدم الدعوة السلفية والشباب السلفي .. كالتحذير من سيد وكتبه ؟!!

  كل هذا مما يجعلنا نضع عشرات إشارات الاستفهام على هذه الحملة المشبوهة والمريبة التي يتزعمها ربيع المدخلي ومن معه من أتباعه ومقلديه .. كالحلبي والهلالي .. على سيد وعلى كتب وفكر سيد رحمه الله تعالى .

  القضية لو وقفت عند نقد سيد قطب فيما قد أخطأ فيه وبيان الحق في ذلك ـ من غير جنوح إلى إفراط ولا تفريط ـ وبتجرد وإنصاف لما وجدت مشكلة ـ حول سيد ـ مع ربيع المدخلي ولا غيره ممن يقلدونه .. لأنه لا أحد يقول بعصمة سيد أو أنه فوق أن يُعقب عليه .. بل هو ممن يخطئ ويصيب .. يؤخذ منه ويرد عليه .. ولكن ذلك كله ينبغي أن يكون في حدود الإنصاف والعدل الذي ينبغي أن يتحلى به الباحث الإسلامي .. وهذا لم نلمسه من المدخلي عندما يكتب أو يتكلم عن سيد قطب وجهاد سيد قطب وعلم سيد قطب ..!!

    رحم الله سيد قطب رحمة واسعة .. وعفا عنه وعن زلاته وأخطائه .. وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء .. كما صدع بالحق .. وأبان الطريق .. وجاد بنفسه في سبيل الله .. وخط ببنانه الظلال ومعالم في الطريق .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.     


 -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



 

               لماذا أبى الطاغوت إلا أن يشنق 
                   سيد قطب رحمه الله
  


                            من معالم سيد قطب رحمه الله1 - [ لابد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية والقيادة الجاهلية .. في خاصة نفوسنا .. ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين بالولاء له ، فهو بهذه الصفة .. صفة جاهلية .. غير قابل لأن نصطلح معه . إن مهمتنا أن نغيّر من انفسنا أولآ لنغيّر هذا المجتمع أخيرآ . إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع . مهمتنا هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه . هذا الواقع الذي يصطدم إصطدامآ أساسيآ بالمنهج الإسلامي ، وبالتصور الإسلامي ، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش ]  .

[ تدخل في إطار هذا المجتمع الجاهلي ، جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض فعلآ : تدخل فيه : المجتمعات الشيوعية المجتمعات الوثنية  المجتمعات اليهودية والنصرانية واخيرآ يدخل في إطار " المجتمع الجاهلي " تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها " مسلمة " ] .

[ الإسلام لايعترف إلا بنوعين من المجتمعات .. مجتمع إسلامي ، ومجتمع جاهلي .. وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسآ ممن يسمون أنفسهم " مسلمين " ، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون المجتمع ، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام .. وبذلك يكون" مجتمعآ جاهليآ " ولو أقر بوجود الله سبحانه ، ولو ترك الناس يقدمون الشعائر لله ، في البيَع والكنائس والمساجد .. و " المجتمع الإسلامي " هو وحده " المجتمع المتحضر " ، والمجتمعات الجاهلية بكل صورها المتعددة ، مجتمعات متخلفة .. ] .

2 - [ إنه لابد من " طليعة " تعزم هذه العزمة  وتمضي في الطريق . تمضي في خضم الجاهلية الضاربة الأطناب في أرجاء الأرض جميعآ . تمضي وهي تزاول نوعآ من " العزلة " من جانب ، ونوعآ من " الإتصال " من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة وعليها أن تعرف أين تلتقي ومع من وكيف تلتقي .. ]

[ لابد إذن في منهج الحركة الإسلامية  أن نتجرد في فترة " الحضانة والتكوين " من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها ] .

[ إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من إنتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله – معه أو من دونه – إلى العبودية لله وحده بلا شريك ، ثم من تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية .. وعندئذ يتم ميلاد لمجتمع جديد ] .

[ في الطريق تكون " المعركة " قد قامت بين المجتمع الوليد الذي إنفصل بعقيدته وتصوره  وإنفصل بقيمه وإعتباراته وإنفصل بوجوده وكينونته عن المجتمع الجاهلي – الذي أخذ منه أفراده – وتكون " الحركة " من نقطة الإنطلاق إلى نقطة الوجود البارز المستقل  قد ميزت كل فرد من أفراد المجتمع ... " الحركة " هي طابع العقيدة الإسلامية وطابع هذا المجتمع الذي إنبثق منها .. إن كل فرد من أفراد هذا المجتمع لابد أن يتحرك .. الحركة في عقيدته ، في دمه  في مجتمعه ]

3 - [ إن التصور الإسلامي للألوهية  وللوجود الكوني  وللحياة وللإنسان  .. تصور شامل كامل . ولكنه كذلك تصور واقعي إيجابي . وهو يكره – بطبيعته – أن يتمثل في مجرد تصور ذهني معرفي .. ويجب أن يتمثل في اناسي  وفي تنظيم حي  وفي حركة واقعية .. وطريقته في التكون أن ينمو من خلال الأناسي والتنظيم الحي والحركة الواقعية  حتى يكتمل نظريآ في " نفس الوقت " الذي يكتمل فيه واقعيآ ... وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي ولا يتمثل من خلاله  هو خطأ وخطر كذلك .. ] .

[ نحن ، حين نريد من الإسلام أن يجعل من نفسه " نظرية " للدراسة  نخرج به عن طبيعة منهج التكوين الرباني وعن طبيعة منهج التفكير الرباني كذلك ونخضع ألإسلام لمناهج التفكير البشرية ! كأنما المنهج الرباني أدنى من المناهج البشرية ! وكأنما نريد لنرتقي بمنهج الله في التصور والحركة ليوازي مناهج العبيد ! والأمر من هذه الناحية يكون خطيرآ  والهزيمة قاتلة ] .

[ ومرة أخرى أكرر أن التصور الإعتقادي يجب أن يتمثل من فوره في تجمع حركي وأن يكون التجمع الحركي في الوقت ذاته تمثيلآ صحيحآ وترجمة حقيقية للتصور الإعتقادي ]

[ لايتحقق المجتمع المسلم بمجرد قيام القاعدة النظرية .. ولا يتمثلون في تجمع عضوي متناسق متعاون له وجود ذاتي مستقل يعمل أعضاؤه عملآ عضويآ على تأصيل وجوده وتعميقه وتوسيعه وفي الدفاع عن كيانه ضد العوامل التي تهاجم وجوده وكيانه ويعملون هذا تحت " قيادة " مستقلة عن قيادة المجتمع الجاهلي .. تجمع عضوي حركي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجه لهذا المجتمع ] .

4 -  الحاكمية

[ إن العالم يعيش اليوم في " جاهلية " من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها جاهلية لاتخفف منها شيئآ هذه التيسيرات المادية الهائلة وهذا الإبداع المادي الفائق . هذه الجاهلية تقوم على أساس الإعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية .. وهي " الحاكمية " .. إنها تُسند الحاكمية إلى البشر – الجاهلية -  فتجعل بعضهم لبعض أربابآ  لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى .. ولكن في صورة إدعاء حق وضع التصورات والقيم  والشرائع والقوانين والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة وفيما لم يأذن به الله .. فينشأ عن هذا الإعتداء على سلطان الله إعتداء على عباده .. ومهانة " الإنسان " عامة في الأنظمة الجماعية ] .

[ يجب أن تكون السلطة التي تنظم حياتهم هي السلطة التي تنظم وجوده – الكون -  فلا يشذوا هم بمنهج وسلطان وتدبير غير المنهج والسلطان والتدبير الذي يصّرف الكون كله  بل الذي يصرّف وجودهم هم أنفسهم ]

[ والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام – على مدار التاريخ البشري – هي قاعدة " شهادة أن لا إله إلا الله "  أي إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية .. ومعنى هذه القاعدة من الناحية النظرية .. ان تعود حياة البشر بجملتها إلى الله  لايقضون هم في اي شأن من شؤونها  ولا في اي جانب من جوانبها  من عند أنفسهم  بل لابد لهم أن يرجعوا إلى حكم الله فيها ليتبعوه .. ] .

[ والأصول المقررة للإجتهاد والإستنباط كذلك ومعروفة وليست غامضة ولا مائعة .. فليس لأحد أن يقول لشرع يشرعه : هذا شرع الله . إلا أن تكون الحاكمية لله معلنة . وأن يكون " مصدر السلطات" هو الله سبحانه ، لا " الشعب " ولا " الحزب " ولا أي من البشر . ] .

[ في هذا الفصل .. نوضح مدلول " الحاكمية " وعلاقته " بالثقافة " .. إن مدلول " الحاكمية " في التصور الإسلامي لا" ينحصر" في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده  والتحاكم إليها وحده  والحكم بها دون سواها .. إن مدلول " الشريعة " في الإسلام لا"ينحصر" في التشريعات القانونية  ولا حتى في أصول الحكم ونظامه وأوضاعه . إن هذا المدلول " الضيق " لايمثل مدلول " الشريعة " والتصور الإسلامي ! إن " شريعة الله " تعني كل ماشرعه الله لتنظيم الحياة البشرية .. وهذا يتمثل في أصول الإعتقاد  واصول الحكم وأصول الأخلاق  واصول السلوك وأصول الثقافة أيضآ .

 5 -  الجهاد :

  تتجلى سمات أصيلة وعميقة في "المنهج الحركي " لهذا الدين جديرة بالوقوف أمامها طويلآ  ولكننا لانملك هنا إلا أن نشير إليها إشارات مجملة :

السمة الأولى :  [ تواجه الحركة ألإسلامية واقعآ بشريآ  تواجه جاهلية إعتقادية وتصويرية تقوم عليها أنظمة واقعية عملية تسندها سلطات ذات قوة مادية .. فتواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه .. تواجهه بالدعوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات  وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها ...]

السمة الثانية :  [ في منهج هذا الدين : هي الواقعية الحركية .. والذين يسوقون النصوص القرآنية للإستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد  ولا يراعون هذه السمة فيه .. الذين يصنعون هذا يخلطون خلطآ شديدآ ويلبسون منهج هذا الدين لبسآ مضللآ  ويحمّلون النصوص مالا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية . ويقولون – وهم مهزومون روحيآ وعقليآ – تحت ضغط الواقع اليائس .. أن الإسلام لايجاهد إلا للدفاع إنهم يسدون إلى هذا الدين جميلآ بتخليه عن منهجه وهو إزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعآ ... ويجب تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة  أو قهرها حتى تدفع الجزية وتعلن إستسلامها والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة ..]

السمة الثالثة : [هي أن هذه الحركة الدائبة والوسائل المتجددة ، لاتخرج هذا الدين عن قواعده المحددة ، إنما يخاطبهم بقاعدة واحدة ، ويطلب منهم الإنتهاء إلى هدف واحد هو إخلاص العبودية لله ، لامساومة في هذه القاعدة ولا لين ..]

السمة الرابعة :[هي ذلك الضبط التشريعي للعلاقات بين المجتمع المسلم  وسائر المجتمعات الأخرى ، وقيام ذلك الضبط على أساس أن الإسلام لله هو الأصل العالمي الذي على البشرية كلها أن تفيئ إليه ، أو أن تسالمه بجملتها فلا تقف لدعوته بأي حائل من نظام سياسي ، أو قوة مادية ، وأن تخلي بينه وبين كل فرد يختاره أو لا يختاره بمطلق إرادته ، فلا تقاومه ولا تحاربه ! فإن فعل ذلك أحد كان على الإسلام أن يقاتله حتى يقتله أو يعلن إستسلامه ! ] .

[ وقيام مملكة الله في الأرض ، وإزالة مملكة البشر ، وإنتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده .. وسيادة الشريعة الإلهية وحدها وإلغاء القوانين البشرية .. كل أولئك لايتم بمجرد التبليغ والبيان ، لأن المتسلطين على رقاب العباد ، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض ، لايسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان ] .

[ والذي يدرك طبيعة هذا الدين – على النحو المتقدم – يدرك معها حتمية الإنطلاق الحركي للإسلام في صورة الجهاد بالسيف – إلى جانب الجهاد بالبيان.. ] .

[ إن الجهاد ضرورة للدعوة .. سواء كان الوطن الإسلامي – بالتعبير الإسلامي الصحيح : دار الإسلام – آمنآ أم مهددآ من جيرانه . فالإسلام حين يسعى إلى السلم لايقصد تلك السلم الرخيصة وهي مجرد أن يؤمّن الرقعة الخاصة التي يعتنق أهلها العقيدة الإسلامية . إنما هو يريد السلم : التي يكون الدين فيها لله ]

[ إن المعسكرات المعادية للإسلام قد يجيئ عليها زمان تؤثر فيه ألا تهاجم الإسلام .. ولكن الإسلام لايهادنها ، إلا أن تعلن إستسلامها لسلطانه في صورة " اداء الجزية " ، ضمانآ لفتح أبوابها لدعوته بلا عوائق .. ]

6 - الإستعلاء .. ونفي الأوطان :

 [ الإستعلاء .. على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان . وعلى قيم الأرض التي لم تنبثق من أصل الإيمان . وعلى تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمان ، وعلى قوانين الأرض التي لم يشرعها الإيمان ، وعلى أوضاع الأرض التي لم ينشئها الإيمان ... الإستعلاء .. مع ضعف القوة  وقلة العدد  وفقر المال  كالإستعلاء مع القوة والكثرة والغنى ، سواء .. ]

[ وطن المسلم .. الذي يحن إليه ويدفع عنه ليس قطعة أرض ، وجنسية المسلم التي يعرف بها ليست جنسية حكم وعشيرة المسلم التي يأوي إليها ويدفع عنها ليست قرابة دم  وراية المسلم التى يعتز بها ويستشهد تحتها  ليست راية قوم  وإنتصار المسلم الذي يهفو إليه ويشكر الله عليه ليس غلبة جيش ]

[ فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله  فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الإرتباط  بالله , ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوآ في " الأمة المسلمة  في " دار الإسلام  ، ولا قرابة للمسلم إلا تلك التي تنبثق من العقيدة في الله ، فتصل الوشيجة بينه وبين أهله في الله .. ليست قرابة المسلم : أباه وأمه وأخاه وزوجه وعشيرته ، مالم تنعقد الآصرة الأولى في الخالق .. ] 


رحمك الله يا سيد قطب رحمة واسعة .. وهل يمكن أن يغمض أى طاغوت عينيه وينام ، وعلى وجه الأرض رجل كتب مثل هذا الكلام ؟ !

نسأل الله أن يكتبك فى الشهداء الأبرار وأن يتجاوز عن سيئاتك وزلاتك ويبدلها جميعها حسنات .                                      


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


                     وظيفة الأمة الاسلامية وتميزها


     النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم  التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء  لم يكن تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات  وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات  كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة  وهذه البواعث هي التي تفرق قوما عن قوم  وعقلية عن عقلية  وتصورا عن تصور  وضميرا عن ضمير  وخلقا عن خلق  واتجاها في الحياة كلها عن اتجاه  .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : إن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون  فخالفوهم )  .

وقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم  ] وقد خرج على جماعة فقاموا له : ( لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها ) .

وقال - صلوات الله وسلامه عليه :  ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله ) .

نهى عن تشبه في مظهر أو لباس  ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك  ونهى عن تشبه في قول أو أدب . . لأن وراء هذا كله ذلك الشعور الباطن الذي يميز تصورا عن تصور  ومنهجا في الحياة عن منهج  وسمة للجماعة عن سمة .

ثم هو نهى عن التلقي من غير الله ومنهجه الخاص الذي جاءت هذه الأمة لتحققه في الأرض  نهى عن الهزيمة الداخلية أمام أي قوم آخرين في الأرض . فالهزيمة الداخلية تجاه مجتمع معين هي التي تتدسس في النفس لتقلد هذا المجتمع المعين  والجماعة المسلمة قامت لتكون في مكان القيادة للبشرية  فينبغي لها أن تستمد تقاليدها - كما تستمد عقيدتها - من المصدر الذي اختارها للقيادة . . والمسلمون هم الأعلون  وهم الأمة الوسط  وهم خير أمة أخرجت للناس  فمن أين إذن يستمدون تصورهم ومنهجهم ؟  ومن أين إذن يستمدون تقاليدهم ونظمهم ؟ إلا يستمدوها من الله فهم سيستمدونها من الأدنى الذي جاءوا ليرفعوه !!

ولقد ضمن الإسلام للبشرية أعلى أفق في التصور  وأقوم منهج في الحياة  فهو يدعو البشرية كلها أن تفيء إليه  وما كان تعصبا أن يطلب الإسلام وحدة البشرية على أساسه هو لا على أي أساس آخر  وعلى منهجه هو لا على أي منهج آخر  وتحت رايته هو لا تحت أية راية أخرى فالذي يدعوك إلى الوحدة في الله  والوحدة في الأرفع من التصور والوحدة في الأفضل من النظام  ويأبى أن يشتري الوحدة بالحيدة عن منهج الله  والتردي في مهاوي الجاهلية , ليس متعصبا  أو هو متعصب  ولكن للخير والحق والصلاح !!

والجماعة المسلمة التي تتجه إلى قبلة مميزة يجب أن تدرك معنى هذا الاتجاه  إن القبلة ليست مجرد مكان أو جهة تتجه إليها الجماعة في الصلاة  فالمكان أو الجهة ليس سوى رمز .. رمز للتميز والاختصاص تميز التصور  وتميز الشخصية  وتميز الهدف  وتميز الاهتمامات  وتميز الكيان .

والأمة المسلمة - اليوم - بين شتى التصورات الجاهلية التي تعج بها الأرض جميعا  وبين شتى الأهداف الجاهلية التي تستهدفها الأرض جميعا  وبين شتى الاهتمامات الجاهلية التي تشغل بال الناس جميعا  وبين شتى الرايات الجاهلية التي ترفعها الأقوام جميعا . . الأمة المسلمة اليوم في حاجة إلى التميز بشخصية خاصة لا تتلبس بشخصيات الجاهلية السائدة  والتميز بتصور خاص للوجود والحياة لا يتلبس بتصورات الجاهلية السائدة  والتميز بأهداف واهتمامات تتفق مع تلك الشخصية وهذا التصور  والتميز براية خاصة تحمل اسم الله وحده  فتعرف بأنها الأمة الوسط التي أخرجها الله للناس لتحمل أمانة العقيدة وتراثها .

إن هذه العقيدة منهج حياة كامل  وهذا المنهج هو الذي يميز الأمة المستخلفة الوارثة لتراث العقيدة .. الشهيدة على الناس .. المكلفة بأن تقود البشرية كلها إلى الله . . وتحقيق هذا المنهج في حياة الأمة المسلمة هو الذي يمنحها ذلك التميز في الشخصية والكيان .. وفي الأهداف والاهتمامات .. وفي الراية والعلامة .. وهو الذي يمنحها مكان القيادة الذي خلقت له  وأخرجت للناس من أجله .. وهي بغير هذا المنهج ضائعة في الغمار  مبهمة الملامح .. مجهولة السمات .. مهما اتخذت لها من أزياء ودعوات وأعلام !

ويُحدِثُ القرآنُ الكريمُ هذه الأمةَ عن حقيقتها الكبيرة في هذا الكون  وعن وظيفتها الضخمة في هذه الأرض  وعن مكانها العظيم في هذه البشرية  وعن دورها الأساسي في حياة الناس  مما يقتضي أن تكون لها قبلتها الخاصة  وشخصيتها الخاصة  وألا تسمع لأحد إلا لربها الذي اصطفاها لهذا الأمر العظيم : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً  [البقرة : 143]    .

إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعا  فتقيم بينهم العدل والقسط  وتضع لهم الموازين والقيم وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد  وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها  وتقول هذا حق منها وهذا باطل  لا التي تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها  وهي شهيدة على الناس وفي مقام الحكم العدل بينهم . . وبينما هي تشهد على الناس هكذا , فإن الرسول هو الذي يشهد عليها  فيقرر لها موازينها وقيمها  ويحكم على أعمالها وتقاليدها  ويزن ما يصدر عنها  ويقول فيه الكلمة الأخيرة . . وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها . . لتعرفها  ولتشعر بضخامتها  ولتقدر دورها حق قدره  وتستعد له استعدادا لائقا . .

وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل  أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد  أو من الوسط بمعناه المادي الحسي .

( أمة وسطا ) . . في التصور والاعتقاد . . لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي  إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد  أو جسد تتلبس به روح  وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد  وتعمل لترقية الحياة ورفعها في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها  وتطلق كل نشاط في عالم الأشواق وعالم النوازع  بلا تفريط ولا إفراط  في قصد وتناسق واعتدال .

( أمة وسطا ) . . في التفكير والشعور . . لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة  . . . ولا تتبع كذلك كل ناعق  وتقلد تقليد القردة المضحك . . إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول ثم تنظر في كل نتاج للفكر والتجريب  وشعارها الدائم : الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها  في تثبت ويقين .

( أمة وسطا ) . . في التنظيم والتنسيق . . لا تدع الحياة كلها للمشاعر  والضمائر  ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب  إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب  وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب  وتزاوج بين هذه وتلك  فلا تكل الناس إلى سوط السلطان  ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان . . ولكن مزاج من هذا وذاك .

( أمة وسطا ) . . في الارتباطات والعلاقات . . لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته  ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة  ولا تطلقه كذلك فردا أثرا جشعا لا هم له إلا ذاته . . إنما تطلق من الدوافع والطاقات ما يؤدي إلى الحركة والنماء  وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه  ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو  ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادما للجماعة  والجماعة كافلة للفرد في كافلة للفرد في تناسق واتساق .

( أمة وسطا ) . . في المكان . . في سرة الأرض  وفي أوسط بقاعها  وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب  وجنوب وشمال  وما تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعا  وتشهد على الناس جميعا  وتعطي ما عندها لأهل الأرض قاطبة  وعن طريقها تعبر ثمار الطبيعة وثمار الروح والفكر من هنا إلى هناك  وتتحكم في هذه الحركة ماديها ومعنويها على السواء  .

( أمة وسطا ) . . في الزمان . . تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها  وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها  وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها  وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى وتزواج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات  ورصيدها العقلي المستمر في النماء  وتسير بها على الصراط السوي بين هذا وذاك  .

وما يعوق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه الله لها  إلا أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها  واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها الله لها  واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغة الله واحدة منها  والله يريد لها أن تصطبغ بصبغته وحدها .

وأمة تلك وظيفتها  وذلك دورها  خليقة بأن تحتمل التبعة وتبذل التضحية  فللقيادة  تكاليفها  وللقوامة تبعاتها  ولا بد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى  ليتأكد خلوصها لله وتجردها  واستعدادها للطاعة المطلقة للقيادة الراشدة .

سبحان الله العظيم ، لله درك يا سيد قطب .. رحمك الله رحمة واسعة .. كلامك أنفس من الذهب , والعجب : أين جماعة الإخوان من هذا الكلام وهل كان سيد قطب رحمه الله فعلا أحد رجال الإخوان حقيقة ؟؟

  ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------   

 

                           ما هو معنى الدين ؟


   شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً 
            بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ آل عمران : 18]

            إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ  

             إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ 
                اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران : 19]

      فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ

    الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ [آل عمران : 20]

      أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ  

   لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ [آل عمران : 23]

                  قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ 

            وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران : 31]

                                قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ 

              فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [ آل عمران : 32]

        قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

      [ آل عمران : 52] قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا 
   وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً 
  مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران : 64]

         مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً 

               وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران : 67]

        أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ 

            طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [ آل عمران : 83 ]

                وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ 

            وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]

            وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ 

                    إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس : 84]

 وغيرها كثير ..
بيان معنى "الدين" ومعنى "الإسلام" . . فليس الدين - كما يحدده الله - سبحانه - ويريده ويرضاه - هو كل اعتقاد في الله . . إنما هي صورة واحدة من صور الاعتقاد فيه - سبحانه - صورة التوحيد المطلق الناصع القاطع :   توحيد الألوهية التي يتوجه إليها البشر كما تتوجه إليها سائر الخلائق في الكون بالعبودية . وتوحيد القوامة على البشر وعلى الكون كله . فلا يقوم شيء إلا بالله تعالى  ولا يقوم على الخلائق إلا الله تعالى . ومن ثم يكون الدين الذي يقبله الله من عباده هو "الإسلام" وهو في هذه الحالة : الاستسلام المطلق للقوامة الإلهية والتلقي من هذا المصدر وحده في كل شأن من شؤون الحياة  والتحاكم إلى كتاب الله المنزل من هذا المصدر  وإتباع الرسل الذين نزل عليهم الكتاب . وهو في صميمه كتاب واحد  وهو في صميمه دين واحد . . الإسلام . . بهذا المعنى الواقعي في ضمائر الناس وواقعهم العملي على السواء . والذي يلتقي عليه كل المؤمنين أتباع الرسل . . كل في زمانه . . متى كان معنى إسلامه هو الاعتقاد بوحدة الألوهية والقوامة  والطاعة والإتباع فى منهج الحياة كله بلا إستثناء .

   ----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

    

                                    هذا القرأن


هذا القرآن هو كتاب هذه الدعوة هو روحها وباعثها وهو قوامها وكيانها وهو حارسها وراعيها وهو بيانها وترجمانها . وهو دستورها ومنهجها . وهو في النهاية المرجع الذي تستمد منه الدعوة - كما يستمد منه الدعاة - وسائل العمل  ومناهج الحركة وزاد الطريق .

ولكن ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا  ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية  ذات وجود حقيقي  ووجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة  ووجهت به حياة إنسانية حقيقية في هذه الأرض  وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك . معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات .

وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن  طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة  لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجه هذا الخلق المسمى بالإنسان  والتي تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين ! بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداثا حية  ذات كينونة واقعية حية  ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا  نشأ عنه وجود  ذو خصائص في حياة "الإنسان" بصفة عامة  وفي حياة الأمة المسلمة بوجه خاص .

ومعجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة  في فترة من فترات التاريخ محددة  وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها  ولكنه - مع هذا - يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة  وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية  وفي صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها  وفي معركتها كذلك في داخل النفس  وفي عالم الضمير  بنفس الحيوية  ونفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك .

ولكي نحصل نحن من القرآن على قوته الفاعلة  وندرك حقيقة ما فيه من الحيوية الكامنة  ونتلقى منه التوجيه المدخر للجماعة المسلمة في كل جيل . . ينبغي أن نستحضر في تصورنا كينونة الجماعة المسلمة الأولى التي خوطبت بهذا القرآن أول مرة . . كينونتها وهي تتحرك في واقع الحياة  وتواجه الأحداث في المدينة وفي الجزيرة العربية كلها وتتعامل مع أعدائها وأصدقائها  وتتصارع مع شهواتها وأهوائها ويتنزل القرآن حينئذ ليواجه هذا كله  ويوجه خطاها في أرض المعركة الكبيرة : مع نفسها التي بين جنبيها  ومع أعدائها المتربصين بها في المدينة وفي مكة وفيما حولهما . . وفيما وراءهما كذلك . .

أجل . .  يجب أن نعيش مع تلك الجماعة الأولى  ونتمثلها في بشريتها الحقيقية  وفي حياتها الواقعية  وفي مشكلاتها الإنسانية  ونتأمل قيادة القرآن لها قيادة مباشرة في شؤونها اليومية وفي أهدافها الكلية على السواء  ونرى كيف يأخذ القرآن بيدها خطوة خطوة وهي تعثر وتنهض  وتحيد وتستقيم . وتضعف وتقاوم . وتتألم وتحتمل . وترقى الدرج الصاعد في بطء ومشقة  وفي صبر ومجاهدة  تتجلى فيها كل خصائص الإنسان  وكل ضعف الإنسان  وكل طاقات الإنسان .

ومن ثم نشعر أننا نحن أيضا مخاطبون بالقرآن في مثل ما خوطبت به الجماعة الأولى . وأن بشريتنا التي نراها ونعرفها ونحسها بكل خصائصها  تملك الاستجابة للقرآن  والانتفاع بقيادته في ذات الطريق .

إننا بهذه النظرة سنرى القرآن حيا يعمل في حياة الجماعة المسلمة الأولى  ويملك أن يعمل في حياتنا نحن أيضا . وسنحس أنه معنا اليوم وغدا . وأنه ليس مجرد تراتيل تعبدية مهومة بعيدة عن واقعنا المحدد  كما أنه ليس تاريخا مضى وانقضى وبطلت فاعليته وتفاعله مع الحياة البشرية .

إن القرآن حقيقة ذات كينونة مستمرة كهذا الكون ذاته . الكون كتاب الله المنظور . والقرآن كتاب الله المقروء . وكلاهما شهادة ودليل على صاحبه المبدع  كما أن كليهما كائن ليعمل . . والكون بنواميسه ما زال يتحرك ويؤدي دوره الذي قدره له بارئه . الشمس ما زالت تجري في فلكها وتؤدي دورها  والقمر والأرض  وسائر النجوم والكواكب لا يمنعها تطاول الزمان من أداء دورها  وجدة هذا الدور في المحيط الكوني . . والقرآن كذلك أدى دوره للبشرية  وما يزال هو هو . فالإنسان ما يزال هو هو كذلك . ما يزال هو هو في حقيقته وفي أصل فطرته . وهذا القرآن هو خطاب الله لهذا الإنسان - فيمن خاطبهم الله به . خطاب لا يتغير  لأن الإنسان ذاته لم يتبدل خلقا آخر  مهما تكن الظروف والملابسات قد تبدلت من حوله  ومهما يكن هو قد تأثر وأثر في هذه الظروف والملابسات . . والقرآن يخاطبه في أصل فطرته وفي أصل حقيقته التي لا تبديل فيها ولا تغيير  ويملك أن يوجه حياته اليوم وغدا لأنه معد لهذا  بما أنه خطاب الله الأخير  وبما أن طبيعته كطبيعة هذا الكون ثابتة متحركة بدون تبديل  .

وإذا كان من المضحك أن يقول قائل عن الشمس مثلا : هذا نجم قديم "رجعي  ؟ " يحسن أن يستبدل به نجم جديد " تقدمي ! " أو أن هذا "الإنسان" مخلوق قديم "رجعي" يحسن أن يستبدل به كائن آخر " تقدمي" لعمارة هذه الأرض !!!

إذا كان من المضحك أن يقال هذا أو ذاك  فأولى أن يكون هذا هو الشأن في القرآن . خطاب الله الأخير للإنسان .

ومن مراجعة نصوص القرآن يتبين أن الوسائل هي الوسائل  والأهداف هي الأهداف . ويتجلى أن هذا القرآن هو قرآن هذه الدعوة  ومرجع هذه الأمة - اليوم وغدا - كما كان قرآنها ومرجعها بالأمس في نشأتها الأولى . وأنه لا يعرض عن استنصاح هذا الناصح واستشارة هذا المرجع في المعركة الناشبة اليوم إلا مدخول يعرض عن سلاح النصر في المعركة  ويخدع نفسه أو يخدع الأمة لخدمة أعدائها القدامى المحدثين في غفلة بلهاء أو في خبث لئيم !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis