هل يجب نصح العلماء والمشاهير سرا ؟ يخطئ كل من استنكر على من رد على أقوال المشاهير من العلماء ورؤوس الناس

مجدى سعد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا
       وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادىَ له وأشهد أنَ لا 
       إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ــ ثم أما بعد:
      فإن كثيراً من الناس يشترطون شروطاً لتغيير المنكر يوجبونها وجوباً على من 
      يقوم بذلك الواجب الشرعى، ويستنكرون الرد على أقوال المشاهير التى جانبوا 
      فيها الصواب، فتراهم على سبيل المثال يطالبون بأن تجعل الرد خفياً بينك وبين
      المردود عليه حتى لا تجرح شعوره أو تسبب له حرجاً، بحجة أن ذلك يُنفر 
      الناس من الحق.
مجدى سعد
ولكي نبين خطأ هذا القول وأن من يقول بذلك لم ينطلق لا من آية من كتاب الله عز وجل ولا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم ولا من سيرة أصحابه رضوان الله تعالى عليهم وإنما هو ميل قلبى ألا يخطئ المشاهير ولهذا يقول ما قال ولبيان ذلك أقول:
إن الحرص على ذكر الرد على صاحب الخطأ وايصال الرد إليه شخصيا ليس بواجب ولا بلازم ولا يدل على ذلك دليل من كتاب الله عز وجل ولا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم  بل الأدلة على خلاف هذا ... وقد أخذ النبى صلى الله عليه وسلم البيعة من أصحابه على أن يخلصوا النصح لكل مسلم  فالذين سمعوا الاقاويل المخالفة للكتاب والسنة كان لزاما على الناصح أن يوصل الرد إليهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول والنصح لكل مسلم لم يخص بهذا رجلا دون غيره وفى الصحيح وغيره: الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فهذه الأربع لا علاقة لها بمن اخطأ  فالنصح لله عز وجل يقتضى أن يبين المرؤ الصواب للناس لأن هذا هو مراد الله عز وجل: (هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) ليكون الدين ظاهرا وليس سرا، والنصح لكتاب الله عزو وجل أن يرفع عنه الخطأ علناً جهاراً نهاراً كما نُسب إليه الخطأ بالقول الخاطئ أو بفعل المُنكر
وكذا النصح للنبى صلى الله عليه وسلم ولسنته والنصح لعموم الناس الذين سمعوا أو رأوا ما هو مخالف فمن تمام إيمان المرؤ أن يوصل إليهم الصواب كما وصل إليهم الخطأ وقد دل على هذا عدة أدلة:
اولا: لقد جرت من نبينا صلى الله عليه وسلم أمور عاتبه فيها رب العالمين فهل جعل عتابه له سراً؟ هل عاتبه فيما بينه وبينه سراً أم جعل العتاب قرآناً يُتلى إلى قيام الساعة؟  فما زال الناس يقرأون قول الله عز وجل: (يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم) لماذا لم يعاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام، سراً فيوحى إليه فيصلح النبى صلى الله عليه وسلم ما فعل دون أن يدري أحد.
هذا هو مُراد الناس: إذا تكلم شيخ مشهور فأخطأ فعلى أن أذكر له خطأه سراً أى حتى لا يعلم الناس أن فلاناً قد أخطأ، ثم هو يرجع من قبل نفسه ولكن لا يظهر أمام الناس أنه أخطأ ورد عليه غيره فهذه النصوص علام تدل؟  والله سبحانه وتعالى قادر حليم رحيم ودود غفور لماذا لم ينصح نبيه سراً؟  لأن فائدة الاعلان تصل لكل مسلم فأعلن الله عز وجل هذا لعموم الناس.
وما زلنا نقرأ قولَ الله عز وجل لنبيه فى قصة زواجه من ذينب رضى الله عنها يقول الله عز وجل له: (وتُخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) أفلا يقال ربما ظن بعض الناس أن نبينا لا يخشى ربه. لماذا يُقال فى قرآن يتلى: (وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)؟ ولنتأمل ذلك ونسأل: أيكون عرض أى رجل عامة المسلمين ارتكب منكراً أو يكون عرض أي رجل من أهل العلم فى زماننا أو فى أى زمان فوق نبينا صلى الله عليه وسلم؟  فهل لو كان الرد جهاراً نهاراً من الخطأ أكان يُفعل مع النبى صلى الله عليه وسلم الذي كرمه ربه بأنواع الكرامات حتى أنه عز وجل لم يكن يناديه باسمه المجرد وكان يقول له إكراماً يا أيها النبى، يا أيها الرسول؟ فهذا لون من الأدلة ظاهر لمن كان له قلب يعقل ويتدبر وهذا وحده كاف لقطع هذه الشبهة.
ثانيا : مضت سنة النبى صلى الله عليه وسلم على هذا السنن ففى الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضى الله عنها  أن جريرة رضى الله عنها أتت عائشة رضى الله عنها تستعين بها في كتابتها ( أى عتقها ) فقالت لها عائشة إن شاء أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لى  فأخبرت جريرة أهلها فأبوا  وقالوا إما أن تحتسب ويكون الولاء لنا  فأخبرت بذلك عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وقال قبل ذلك لعائشة ابتاعيها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق ثم صعد المنبر فقال ما بال أقوام يشترطون شروطاً  ليست فى كتاب الله عز وجل من اشترط شرطاً ليس فى كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط.
فها هو النبى صلى الله عليه وسلم يعلم أن أهل جريرة أخطأوا فى حكمهم فهلا أرسل إليهم سراً؟  لماذا صعد المنبر ليقول كلاماً عاماً لعامة المسلمين؟ بالرغم أن الكلام قد جرى بين عائشة وجريرة وأهلها فقط.
لماذا عمم هذا لعموم الناس؟ عممه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس لبيان الباب الذي أوجب عليه وهو النصح لكل مسلم وبيان الخطأ ليكون عاماً فقد يقع فى مثل هذا الخطأ غير أهل جريرة.
فهذه سنته صلى الله عليه وسلم فهو لم يراسلهم وإنما صعد المنبر ابتداءً ليذكر ما أوجبه الله عليه من الحق.
وفى الصحيحين أيضا: (أن النبى صلى الله عليه وسلم صعد المنبر يوما ثم قال: إن بنى هشام بن المغيرة استأذنونى فى أن يُنكحوا ابنتهم على بن ابى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى وينكح ابنتهم، إنما فاطمة بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها، أما وإنى لست أحل حراماً ولا أحرم حلالاً ولكن والله لا تجتمع بنت نبى الله وبنت عدو الله عند رجل).  
فلما استأذن بنو هشام رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لماذا لم يذكر لهم جوابه سراً؟ لماذا لم يستر قولتهم حفاظاً على مشاعرهم وهو بالمؤمنين رؤوف الرحيم لماذا لم يرسل إلى على فيخبره بما أراد لماذا أعلن هذا للناس.  أليس فيه من جانب على ما فيه؟  ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية فى الصواب وفى رد الأقوال المخالفة لماذا أعلن وصرح؟  لأن هذا حكم شرعى ينبغى أن يذاع فى الناس وألا يكون سراً.
وكذا فى الحديث المشهور: لما سأل الثلاثة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن عبادته ... فإنه صعد المنبر ليُعلمَ الناسَ خطأ أولئك وكانوا معروفين للصحابة بأسمائهم وقد ذُكرت فى الروايات. ما كانوا مجاهيل ... فهذه سنته صلى الله عليه وسلم وكذا سار أصحابُه. إذا بلغهم القول من الخطأ ردوه على قائله فى أى مجلس كانوا ولا يتكلفون إيصال الرد إليه ولم يخاطبه أحد بمثل هذا الاعتراض.
ففى الصحيحين وغيرهما : ( أن علياً رضى الله عنه أوتى بزنادقة  وقالوا له انت انت وهم السبئية الذين سجدوا له وقالوا لعلى انت انت أى يقصدون انت الله فخدد على  رضى الله عنه الأخاديد وحرقهم  فلما بلغ ابن عباس فعل على رضى الله عنه أنكره وقال لو كنت أنا لقتلتهم لقول النبى صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ولو كنت أنا ما أحرقتهم بالنار لقول النبى صلى الله عليه وسلم  : لا تعذبوا بعذاب الله فبلغ علياً قوله فقال صدق ابن عباس وفى رواية ما أوقفه على الهامات فانت ترى أن ابن عباس لما وصله فعل على أنكره فى المجلس الذى هو فيه لأن فعل على صار مشهوراً فربما يتصور الناس أن إحراق الناس بالنار جائز فأراد ابن عباس أن يرد عليه حماية للسنة وزوداً عن حياض الشريعة.
هكذا كانوا رضى الله عنه يبالغون فى إنكار المنكر على مرتكبيه ورد الأقوال المخالفة ولا يلتفتون إلى شئ ولا إلى ايصال الرد إلى المخطئ بل يصدعون بما يعلمون.
وقد روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث عائشة رضى الله عنها: (أنها بلغها أن ابن عمرو (عبد الله بن عمرو بن العاص) رضى الله عنهما يفتى النساء أن ينقضن شعورهن إذا اغتسلن فقالت عائشة رضى الله عنها: يا عجباً لابن عمرو هذا أفلا يأمُرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فما أزيد على أن اغترف ثلاث غرفات على رأسى) فهل أوصلت عائشة الرد إلى ابن عمرو؟ هل سكتت؟  ثم كتبت إليه سراً حتى يتراجع هو؟  أم ذكرت هذا العلم للناس حتى يذيع أمره وينتشر قول الحق؟  
هكذا كانوا رضى الله عنهم أجمعين .
وقد بلغها رضى الله عنها أن ابن عمر واباه يقولون إن الميت يعذب ببكاء الحي فقالت والله ما قال النبى هذا.  إنكم لتحدثون عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكن السمع يخطئ.  أين ردت عائشة هل قالت هذا عمر وابنه ... هل ارسلت خادماً ... هل راسلت عمر سراً؟  إنما صدعت بما تعلم من الحق ... نصحاً لله ولرسوله ولعامة الناس هكذا مضوا وهكذا تخلفنا عنهم ... بل كانوا يغلظون فى الرد كما فى الصحيح أن عمر رضى الله عنه بلغه أن سمرة بن جندب باع خمراً فقال قاتل الله سمرة ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرم الله عليهم شحوم الميتة فجملوها ثم باعوها فاكلوا ثمنها.

 متى أنكر عمر؟ هل راسل سمره ؟؟؟ بل أنكر فى المجلس الذي هو فيه علناً ولم يرسل الرد سراً رعاية لجناب سمره ... إنما رد رعاية للشريعة وعلماً منه ومن غيره أن الخطأ يجوز على كل أحد.
 ولأن يُنسَبُ الخطأ إلى مُعَين خير من أن يُنسب الخطأ إلى الشريعة  ..  فإنما هى الشريعة أو الناس ... فاختاروا الشرع فإنه باق.

أما افراد الأمه فإن الله عز وجل يغفر لهم خطأهم إذا اجتهدوا وأفرغوا الوسع  وقد يكون لأحدهم  من الحسنات الماحيات ما يستدرك به الخطأ  ... أما الشريعة فهى دين الإسلام وهى شرع النبى صلى الله عليه وسلم  ... فهذا  سبيل نبينا وأصحابه كانوا يردون الخطأ على قائله وينشرون  المقالة فى الناس نصحاً لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم  فجاء المتأخرون فأجملوا النصح كله فجعلوه لشخص الراد فقط  ... ولا ينصح المخطئ إلا سراً حتى يظل جانبه موفوراً  وشهرته موفورة كاملة وليس هذا من دين الله عز وجل بل هو أبعد شئ منه .

وقد روى البخارى فى صحيحه : عن معاوية رضى الله عنه أن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما يقول ويحدث الناس أنه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فأثنى على الله بما هو أهله وقال أما بعد فإنه بلغنى أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست فى كتاب الله عز وجل ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واولئك جهالكم فإياكم والأناوى التى تضل أهلها فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله فى النار على وجهه ما أقاموا الدين.

فها أنت ترى أن معاوية بلغه قول عبد الله بن عمرو وهو من هو .. وهو يعلم القائل سيكون ملك من قحطان  فهذا قد يجرئ الناس على الخروج على قريش وكان معاوية عنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم علم فلم يرسل إلى عبد الله وهو أمير المؤمنين ولم يكتب إليه سراً لأن مقالة ابن عمر بلغت الناس ... ليس من العدل أن يخرج رجل يتكلم على الملايين ثم يرد عليه سراً بأوراق ربما قرأها وطواها   فقام معاوية فى الناس خطيباً وقال أما بعد فإنه بلغنى أن رجالاً منكم ولم يسمه  ولم يقل إن ابن عمرو ولم يقل إن صحابياً  ثم أراد أن يبين الخطأ فاختار عبارات دقيقة يحدث بأحاديث ليست فى كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله .... فما معنى هذا؟ ألا يكفي معاوية أن يقول على المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الامر فى قريش؟   ولكنه بالغ فى الرد حتى أغلظ لابن عمرو ... يحدث بأحاديث ليست فى الكتاب ولا فى السنة هذا جاهل ... وقالها صراحه اولئك جهالكم فهل كان معاوية طاعنا فى ابن عمرو؟

فيا أيها الذين تعتبرون الرد طعناً وأكلاً للحوم العلماء المسمومة: هل كان الصحابى الجليل طعاناً؟  ألم يكن معاوية يعرف ابن عمرو؟ أيقال لمعاوية رُد عليه خطأه ولا تنتقص من قدره؟ ألا تتعلمون من الصحابة رضى الله عنهم؟  أم لكم سلف غير أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم؟  إن معاوية لم يراع ابن عمر ولكنه راعى سنة النبى صلى الله عليه وسلم وهكذا كان أصحابه، كانوا يغلظون فى الرد رعاية للشريعة. لا يراعون الأفراد. ولكننا فى دين يراعى الرجال أكثر من رعاية الشريعة.
فى الصحيحين أن عمران بن حصين رضى الله عنه قال فى مجلس أن المتعة أنزلت فى كتاب الله عز وجل ... والمتعة أن يقوم الرجل بالعمرة فى زمان الحج وكان عمر رضى الله عنه ينهى عن ذلك فقال عمران للناس (ولم يقل لعمر رضى الله عنه) إن المتعة أنزلت فى كتاب الله عز وجل وفعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها رسول الله حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء، انظر ماذا يقول عن عمر؟ يقول: قال رجل، لم يقل قال أمير المؤمنين ولم يقل قال عمر. لأنه أمام الشريعة. لكن لو أن رجلاً اليوم رد مبينا خطأ من بعض المشاهير فقال قال رجل فى الفضائيات لاعتبروه طاعناً جارحاً متنقصاً آكلاً للحوم العلماء المسمومة ... ولكن عمران لم يراعى عمر وما عمر أمام الشرع؟
ألم تسمعوا لربكم يقول: وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس؟؟؟

روى الإمام مسلم فى صحيحه قصة إفتاء ابن عباس فى نكاح المتعة. كان هذا الأمر فى أول الإسلام ثم نُسخ فقد كان للرجل أن يتزوج المرأة الليلة والساعة والليالى يتمتع بها ثم يفارقها ثم نسخه الله تعالى فظل ابن عباس يفتى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوازه ... فبلغ الصحابة قوله فغلظوا له حتى قام ابن الزبير خطيبا بمكة وكان ابن عباس قد عمى بصره وابن عباس فى المجلس فقام ابن الزبير وقال إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة فناداه ابن عباس إنك لجلف جاف لقد كانت تفعل فى زمان إمام المتقين فقال له ابن الزبير جرب ( أى تزوج متعة ) ولأرجمنك بأحجارك وبلغ علياً قول ابن عباس فقال ذاك امرؤ تائه ( أى ضال )  هكذا كانوا  حتى بلغ ابن عباس أن نوف البكالى يقول إن موسى الخضر ليس هو موسى بنى اسرائيل قال كذب عدو الله  ولم يراسله سراً.

إنها الشريعة التى يدافعون عنها مع معرفتهم بأقدار الناس  فهل يراعى المرؤ أخاه إذا انتقص حق أبيه؟ إنما يراعى الأب دون الأخ فيجب مراعاة الشريعة أكثر من مراعاة الأفراد وهذا دين الإسلام. ولكننا وصلنا إلى حالة فريدة  أن يتكلم المرؤ بما يحب قبل أن يقف مع نفسه ثم يسأل نفسه سؤالا أله دليل على ما يقول ولكن  تنطلق ألستنا بدون تعريج على أدلة ينشرح الصدر بمثل هذا القول ولو كان فيه من طمس معالم الشريعة ما فيه.

إن حماية الشريعة أصل الأصول عند سلفنا الصالح ما كانوا يراعون فيه أحداً قريباً أو بعيداً ولا عدواً ولا حبيباً ولكل مقام مقال فإن كان المقام يقتضي الرد بالرفق فعلوا وإن كان المقام يقتضي الغلظة أغلظوا، ولكن الناس اليوم لا يهمهم إلا شيوخهم ومقامهم ومراعاة الناس أصحاب المناصب الكبرى وقديما نطق سعد زغلول كفراً ولم يرد عليه أحد احتراماً لمقام سعد وكذلك الآن ظهر التشيع وانتشر فى بلادنا ولا ينتقد أحد، رئيس تونس بعد الثورة يقول: لن تكون الشريعة من مصادر التشريع فهل رد عليه أحد هل أهانه أحد؟ لا والله بل استقبلناه استقبال الفاتحين وحافظنا على مشاعره وأهدرنا الشريعة ولم نغار عليها وليبق الشيوخ والعلماء والرؤساء ولتبارك الثورات وأما الشريعة فلا بواكى لها.

وقد كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يصدعون بالقول الغليظ أمام النبى صلى الله عليه وسلم كما قال عمر بحضرة النبى عن حاطب: دعنى أضرب عنق هذا المنافق ولم يقل له النبى صلى الله عليه وسلم طعنت فيه ولا تنقصت من قدره لأنه يعلم إنما حمله الغيرة على كتاب الله وعلى دينه. ولكننا الآن لا هم لنا إلا الشيوخ، والرجال فحسب، أما الشريعة؟ فما علينا، نحرص أشد الحرص على الا ننكر على أحد حتى لا نؤذى شهوره وبحجة ألا ننفره من الدين.   

لا ينصر اللهُ قوماً إلا إذا جعلوا الشريعة أصلاً عندهم فنعادى كل من عادته الشريعة من الناس كلهم  ولو كانوا أحب الناس وأقربهم إلينا
 إن الله لا ينصر إلا من ينصره والله أعلم بقلوبكم فليرَ اللهُ من قلوبنا حفظ شريعته وحماية دينه وصيانة سنة النبى صلى الله عليه وسلم.
إن شرع الله عز وجل وصل لنا على أجساد أناس ضحوا بأموالهم وبأرواحهم حتى وصل إلينا فلا تضيع الشرع لأجل أقوام لعل الله لا يباليهم ابدا.

وإلى الذين يستكثرون ويستنكرون أن يرد عليهم أحد أو على شيخهم أو جماعتهم أو رئيسهم المحبوب أهدى هذه الحادثة التى حدثت مع ابن الإمام الكبير أبى حاتم الرازى:
  قديما جاء بعض المغفلين إلى عبد الرحمن بن أبى حاتم ابن الإمام الكبير أبى حاتم الرازى وكان عبد الرحمن بن أبى حاتم قد صنف كتاب الجرح والتعديل يُجَرِحُ فيه أهلَ العلم لم يكن يُجَرِحُ أهلَ السوء من الناس بل كان يُجَرِحُ بعضَ التابعين وأتباعهم ممن عُرفوا بسوء الحفظ أو قلة الضبط للحديث فمر عليه بعض المُغفلين فسمع أحدهم عبد الرحمن يقول فلان كذاب ( فى الحديث وقد يكون من أصلح الناس وأعبدهم ) أو فلان مُغفل (أى كثير الغلط فى الحديث) ( سيئ الحفظ  - لا يروى عنه – لا يسوى شعيرة – لا يسوى بعرة ) – يقول هذا الكلام عن أناس صالحين ولا يجد أهل العلم غضاضة فى التنفير منه فيصفونه بأشد الفاظ الجرح الممكنة بما لا يعد تعديا عليه فى عرضه وفى حاله حتى ينفر الناس من روايته رغم أن الجارح قد يُقبل يد المجروح لو لقيه.
والإمام مالك يقول: لقد أدركت فى هذا المسجد (أى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) سبعينَ ممن رأى من رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (أى من كبار التابعين) – يقول لو اؤتمن أحدهم على بيت مال لحفظه ولا أستحل أن أروىَ عنهم حديثا (لأنهم ليسوا من أهله).
 فعندما مر هذا الرجل بعبد الرحمن بن أبى حاتم وهو يُحَدِثُ من كتاب الجرح والتعديل ويُجَرِحُ ويُضَعِفُ فى العلماء السابقين، فقال ويلك يا عبد الرحمن (وكان الرجل شيخا كبيراً) ما هذا يا ولد أتجلس تُجَرِحُ فى أناس لعلهم حطوا رحالهم فى الجنة منذ مائتى عام؟ وكان عبد الرحمن رقيق القلب فلما جابهه الشيخ بهذه الشدة التى فى غير موضعها بكى عبد الرحمن وأغلق الكتاب وفارق المجلس حتى جاء به بعضُ كبارِ العلماء وقالوا له ويلك يا عبد الرحمن أتسمع لهذا الجاهل إنك تَذُبُ الكذبَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – إنك إن سكت عن هذا سيء الحفظ أوشك أن يغترَ به الناس لصلاحه فيصدقون حديثه وهو كذب.

ومثال ذلك أيضا: أن العلماء ساقوا حديثاً لموسى بن ثابت الزاهد (يذكروه فى باب الموضوعات) (موضوع بغير قصد) موسى بن ثابت الزاهد هذا كان من الصالحين – كان من عُبادِ أهل زمانه -لا يختلف عليه اثنان وكان يقوم الليل كله وفى يوم ذهب ليزور شُريك بن عبد الله النُخعى فى بيته وكان شُريك يحدث بحديث فى مجلس والطلاب يجلسون أمامه يكتبون وكانت العادة أن يُملى الشيخ الإسناد وينتظر حتى يكتبه الطلاب ثم يُملى عليهم المتن فدخل موسى بن ثابت الزاهد وهو فى دهليز البيت متجها إلى مجلس شُريك سمعه يقول حدثنا الأعمش عن أبى سفيان ( يعنى طلحة بن نافع ) عن جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : وسكت شُريك حتى يكتب الطلاب الإسناد .. فدخل موسى بن ثابت فى فترة السكتة بين الإسناد والمتن – وكان شُريك فيه دُعابة فلما أبصر وجهَ ابن ثابت – وكان ابن ثابت وجهه منيراً لقيام الليل – فنظر شُريك إلى وجه ابن ثابت وقال: من كثرت صلاتُه بالليل حَسُنَ وجهه بالنهار وسلم عليه ابن ثابت وذهب .... فأكمل شُريك المتن الذى ذكر إسناده سابقا (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ارقد عليك نوم طويل)، فعندما سمع موسى بن ثابت الإسناد فى طريقه إلى شريك ثم سمع كلمات شريك – لغفلته وعدم حفظه وعدم عنايته بالحديث – ظن كلام شريك (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) ظن أن هذا هو متن الإسناد الذى سمعه من شريك، فخرج من عند شريك يقول: حدثنا شُريك عن الأعمش عن ابن سفيان عن جابر بن عبد الله مرفوعاً من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ورواه الحاكم فى مستدركه وقال على شرط الشيخين .

وهذا طبعا حديث موضوع وضعه موسى خطأ – وضعه من غير قصدفهل يسكت أهل الحديث والجرح والتعديل عن ذلك ويقولوا : ( هذا رجل صالح ومن أهل قيام الليل ولا يجوز أن نتكلم فيه وهذا طعن فى علماء الامة وسوء أدب ) وبهذا يمر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد كان شعبة يتحدث ليل نهار عن أمير بن ابى عياش – وقد كان ابن ابى عياش رجلا صالحا ولكنه مخلطا سيئ الحفظ (مغفل أى كثير الغفلة) ولم يترك شعبة الحديث فى ابن ابى عياش بسبب أنه رجل صالح.
وقيل لابن معين ألا تخشى أن يكون هؤلاء خصماؤك عند الله يوم القيامة؟  فقال لئن يكون هؤلاء كلهم خصمائى عند الله يوم القيامة أحب إلى من أن يكون خصمى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول لمَ لمْ تذب الكذب عن دينى؟ ألا تعلم أن هذا خطأ؟ فيم صمتك؟ أتجامل الناس؟
ولعل فى ما سبق ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وأصلى وأسلم وأبارك على سيدي وسيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله الصادق الأمين ــ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

AddThis