الإخوان والشورى


الشورى الإخوانية.. ليست شورى
محمد إلهامى

في انتخابات البرلمان 2010 سرت دعوات المقاطعة في المشهد السياسي المصري بعد أن صار مؤكدا أنها انتخابات مزورة بعد أن أُلغي الإشراف القضائي ولكن الجميع كان ينتظر رأي الإخوان بما فيهم النظام لأن الإخوان هم القوة الشعبية الوحيدة آنذاك .. أما الإخوان فقد كانوا يريدون دخول الانتخابات ولكنهم يخشون –كالعادة- من العلمانيين وإعلامهم وصحافتهم ولا يريدون أن يُتهموا بأنهم من أسبغ الشرعية على الانتخابات المزورة والنظام الفاسد فكان من ضمن وسائلهم لتجاوز هذا الأمر هو القول بأنهم سيستطلعون رأي قواعدهم "فالأمر شورى" ثم سينفذون ما استقرت عليه "الشورى"..

ظل الأمر شهورا والشورى تسري في القواعد حتى استقرت على المشاركة في الانتخابات بنسبة 90% تقريبا (أو أكثر خانتني الذاكرة) فشارك الإخوان في الانتخابات!

ثم كان التزوير هائلا في المرحلة الأولى فلم يحصل الإخوان على مقعد واحد  فاتخذ الإخوان قرارا بمقاطعة ما تبقى من الانتخابات ..

وعلى حين ظلت الشورى الأولى شهورا حتى جاء قرارها بالموافقة فإن الشورى الثانية بالمقاطعة لم تستغرق سوى يومين أو ثلاثة .. وعلى حين كانت الشورى الأولى على مستوى القواعد والمحافظات فإن الشورى الثانية كانت على مستوى مكتب الإرشاد وربما مجلس الشورى ..

وليس هذا إلا : لأن شورى الإخوان، "عندها ساعة".. ساعة تروح وساعة تيجي !

لكن.. كيف وافقت القواعد على المشاركة أول الأمر وهي تعلم بالتزوير المحقق ؟  ثم استسلمت لقرار المقاطعة بعد أن حدث التزوير .. وكيف انقلب الحال من "مزايا المشاركة" إلى "مزايا المقاطعة".. ومن "قوة  قرار المشاركة" إلى "قوة  قرار المقاطعة" ..

أذكر أني خضت جدالات كثيرة مع إخواني "منضبط" أحاول أن أقنعه بالمقاطعة ويحاول أن يقنعني بالمشاركة ثم انتهت الجولة الأولى فعاد نفس الجدال وكان على نفس رأيه وفي مساء ذات اليوم جاء بيان المرشد بالمقاطعة فقال فورا: قرار قوي جدا!! نظرت إليه مشفقا ولم أنطق .. فداء التبعية لا علاج له !

لا تظنوا – يا قوم - أن الأمر شورى.. لا في الإخوان ولا في الدعوة السلفية (مؤخرا) .. ولكنه يجري كالآتى:

حسابات القيادة تقول بالدخول في الانتخابات فتعمل التعلميات النازلة في الأسر والقطاعات على تزيين هذا القرار وإبداء مزاياه ويعمل موقع إخوان أون لاين وباقي مواقع الجماعة على نشر هذا الرأي وتسويقه ومنع الرأي الآخر تماما .. فإذا تم المطلوب أُخذت الشورى التي ستأتي بما تشتهيه القيادات .

(راجع في سياسة موقع إخوان أون لاين اعترافات رئيس تحريره عبد الجليل الشرنوبي بعد أن استقال منه وهي مكتوبة ومتلفزة )

كنت عضوا في "مجلس الكلية" ( الهندسة الإلكترونية – أقوى معاقل التيار الإسلامي في مصر على الإطلاق على مستوى الكلية ) ومسؤولا عن العمل العام لثلاث سنوات ولدي الكثير من الذكريات عن "هذه الشورى".. لكن الله يعلم أني ما سكتُّ على تمرير أمر هام بدون شورى أبدا نجحت أحيانا وأخفقت أحايين كثيرة.. وتقدمت باستقالتي مرتين وأنا في الكلية ثم عدت عن واحدة لتأثري بـ "الظروف ونقص الكوادر وأهمية المرحلة وحرج اللحظة وحاجة الدعوة... إلى آخر هذه الأسطوانة التي كانت تخدعنا".. ولم أتراجع عن الأخرى ولكني كتمتها لكي لا تتسبب في ارتباك بين صف الإخوان الطلاب (لست شخصية مؤثرة ولا فارقة ولكن طبيعة العمل الإخواني ووجودي في موقع القيادة لسنوات تجعل الكثيرين يولونني هذه النظرة عن غير استحقاق) ..

ذات مرة أراد الإخوان في الجامعة تعميم نظام جديد يجمع في اللقاءات بين التربوي والإداري وحاول مشرف الكلية تسويق هذا النظام لنا "مجلس الكلية" لكي نأخذ شورى (!) ثم نوافق عليه بالطبع (!).. اعترضت بشدة وظل يناقشني (مناقشة لم تخلو من سخرية أحيانا كثيرة .. وما أشد من السخرية على نفسي في مقام النقاش الجاد) وعلت حدة النقاش حتى قلت له "إن كان هذا النظام نازلا من الإخوان فأخبرنا مباشرة لا أن تحاول جعلنا نوافق عليه وكأن الأمر شورى".. بعد هذه الكلمة (سيئة الأدب في المزاج الإخواني) تحولت دفة النقاش وكنت أرقب المأزق باديا على وجه "نائب مشرف الكلية" الذي ظل صامتا طوال النقاش ولم يتوقع أن يحدث هذا ..

ولأن مشرف الكلية كان رجلا عاقلا وشخصية مستقلة بالفعل وعقلية رائعة فقد أنهى النقاش في الموضوع واتخذ شورى حقيقية انتهت إلى رفض الفكرة فلم يطبقها .. ولكنها طبقت في الكليات الأخرى بنفس المنهج الذي كان يراد له أن يحدث !

في موقف آخر دخلت في احتكاك مع مسؤول الكلية وكنت أندد بضعف الشورى في قرارات كبيرة فقال لي على انفراد : هو انا كل حاجة هاخد فيها شورى ؟ يبقى انا دوري إيه ؟ طرطور ؟!!

في موقف آخر ومع مسؤول آخر وكنت سكرتير الجلسة حاول المسؤول فرض رأي بعينه والتملص من الشورى فرفضت كتابته وإقراره وتساءلت: ما شرعية أن أكتب شيئا لم يوافق عليه هذا المجلس .. هنا فقط صرح بأن هذا القرار توجه من القطاع ..

في بلد آخر تم اختراق اللائحة لتصعيد أحدهم إلى المكتب وبُرِّر هذا بأنه للضرورة وبدافع المصلحة.. فلم يمض إلا أسبوعين حتى وقع حدث آخر أفرغ مقعدا في المكتب الإداري وكان المفترض أن تجري انتخابات ولكن الشخص الذي كان سيصعد إلى المكتب لم يكن مرغوبا فيه فظل المقعد شاغرا وقال المسؤول: "احنا اللي عملنا اللايحة واحنا اللي بنغيرها"..

ستجد كثيرا من الحكايات عند من اتخذوا قرار ترك الجماعة ممن كانوا قيادات يسمع لهم ويشار إليهم حتى إذا خرجوا صاروا من "المتساقطين على طريق الدعوة"..

معظم الشخصيات المشار إليها في هذا المقال شخصيات رائعة وبذلت في سبيل نصرة الدين أغلى ما لديها وتعرضت بالفعل لاختبارات قاسية وعنيفة: مادية ومعنوية وذاقت الجوع والخوف ولم تعش شبابها المنفلت الماجن بل عاشت شبابا في العمل والجد والاجتهاد والتعرض للبطش والفصل والاعتقال ..

وهم لا يتحملون المسؤولية وحدهم وليسوا شريرين أو متآمرين ولكنه مزيج من سلبيات العمل السري وطبيعة العدو واختفاء الحريات يجعل الأمر عملا تحت الضرورة تقل فيه الشفافية وتكثر فيه القيود وتؤثر الطبائع الشخصية على مسارات العمل وتكاد تختفي فرص المراجعة والتصحيح ..

الهدف من هذا المقال ليس نقد الإخوان ولا نقد الشخصيات.. بل هو بوضوح نقد "الشورى" المزعومة التي تُرفع كشعار ويستعان بها كدين يتعبد به.. وهو الأمر الذي يعتنقه في العادة من لم يمارس قيادة مؤثرة في مكاتب الجماعة فهو يظن أن الأمر يجري على خير ما يرام وأن قرار الشورى قد اتخذ بكل شفافية وبعد دراسة علمية لكل الاحتمالات عبر أكفاء متخصصين .. والأمر ليس كذلك على الإطلاق !

ومن عاين مثل هذه الأمور هو فقط من يعرف أكثر من هذا ..

ومن جرب علي كذبا من قبل فهو مدعو لأن يلقي هذا المقال في أقرب سلة مهملات

تعليق من قارئ : غير معرف :

حول نفس المعنى كتب الشيخ الغزالى :

و فى صفحة 209 فى كتاب "من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث" طبعة دار الصحوة الطبعة الرابعة سنة 1984 (إننى لأمقت ان اكون داعيةً لحاكمٍ ما. و أستعيذ باللة ان اُعين بكلمة على بقاء والٍ جائر. غاية ما ابغى أن اشرح قانون السمع و الطاعة. و أن امنع الكهان و الدجالين من الإحتيال بة على ناشئة مُضللة قليلة الفقة فى الإسلام. لقد كان الراسخون فى العلم يدعون الى اللة و يتجردون للدعوة. فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة اللة لأنهم تلقوا دروس معرفتة عنهم ثم جاء الراسخون فى الجهل يطلبون حق القيادة و يتحدثون عن قانون السمع و الطاعة. و لستُ اُعنف دعياً من هؤلاء على مزاعمة و مطالبة فالأمر كما قيل بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم )

فى نفس الكتاب صفحة 211 يقول الشيخ الغزالى ( الأحزاب المناوئة للحكام عندما تفقد نعمة العلانية فى التنفيس عن رغباتها والإبانة عن مقاصدها و غاياتها لا ترى بُداً من جمع فلولها فى الظلام و نشر تعاليمها فى شكل رسائل أو منشورات مقتضبةٍ حاسمة و الوسيلة الوحيدة عندهم هى المقاومة السرية حيث يتلقى الأتباع الأوامر الصادرة من فوق على انها نصوص واجبة الطاعة لا مجال البتةَ لمناقشتها او التملص منها! لا  ... ان شيئاً من هذا لا يجول بخاطر احدٍ من الأتباع. فإن تنفيذ هذة الأوامر دينٌ تُقبل علية النفس بلذة و شغف و لو كانت عقباة العطوب و الدمار. و فى هذة الدائرة المغلقة تتحول الثقة فى القيادة الى القول بعصمة الأئمة .  و أظن ان الفِرَقَ الكثيرة التى نهشت جوهر الإسلام من باطنية و قرامطة

وغيرهم لم تتولد الا فى هذة البيئة ) .

و فى نفس الكتاب صفحة 212 يقول الشيخ (  و قد رأيت جمعاً غفيراً من شباب الإخوان المسلمين ينظرون الى مرشدهم نظرةً يجب ان تُدرس و أن تُحضر. قال احدهم فى اجتماع ضخم للهيئة التأسيسية "ان المرشد لا يخطىء” و كان بهذة القولة العجيبة يريد ان يُخذلنى و أنا اعارض المرشد فى بعض تصرفة و قد خُذلت فعلاً  و مُزقت ملابس الرجل الذى وقف يناصرنى .   قال لى ذاتِ يومٍ واحد من أقرب رجال المرشد إلية أن الإيمان بالقائد جزءٌ من الإيمان بالدعوة . ألا  ترى ان اللة ضم الإيمان بالرسول صلى اللة علية و سلم الى الإيمان بذاتة جل شأنة. ذلك لأن المظهر العملى للطاعة و الأسوة هو فى اتباع القائد اتباعا مطلقا .

رد

غير معرفMar 25, 2012 12:32 AM

و بمثل هذا الإسلوب رُسم مجرى المعاملة بين مرشد الإخوان و الجماعة. فلما اسغربناة و تأبينا و رأينا انفسنا نبصر الحقائق القريبة و الرجل لا يحسها فنعاملة مخطأً او مصيباً غير مقرين هذة الهالة التى اضفاها الأغرارعلية مقتنا الرجل اشد المقت مقتنا كما يمقت الكفار و الفساق. ثم سار بمن معة يتقحم العثرات و المزالق لا يلوى على شيء و لا يلام على شيء و الشىء الذى تُحار فية البرية هو اطباق فريقٍ من الناس على تقديس شخصٍ ليس لدية ذَرة من الخصائص العبقرية !

ايها الأخ المسلم ان شرف دعوتك العظيمة فى انها صدى الإسلام و صورةً كاملة لتعاليمة الراشدة فاعلم ان الإسلام بُنىّ على الوضوح و الثقة و التعقل " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ", " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ". فارفض الغموض فى رسالتك و احذر قبول الريبة بإسم السمع و الطاعة  فالطاعة فى المعروف و لا تتعصب الا لما تعقل و تؤمن فإن التسليم للأوهام بعض الطقوس الماسونية فى هذا العصر و بعض طقوس الكنيسة فى العصور الوسطى المظلمة اما الإسلام فبرىء من هذة المسالك المُحدثة ) .

~~~

و فى ذات الكتاب صفحة 220 يقول الشيخ الغزالى (ان قيادة الإخوان الأن حريصة على الأوضاع الغامضة و القرارات المريبة الجائرة و هى مسئولة امام اللة ثم امام الناس عن مشاعر الحيرة و البلبلة التى تغمرُ قلوب الإخوان فى كل مكان. ثم هى مسؤلة من قبل و من بعد عن الخسائر التى اصابت الحركة الإسلامية فى هذا العصر. و عن التهم الشنيعة التى توجه للإسلام من خصومة المتربصين. و قد صورتة كنزوات فردٍ متحكم كما صورت هيئة الإخوان المسلمين و كأنها حزبٌ من الأحزاب المنحلة تسودها الدسائس و تُسيرها الأهواء.

ان هذا البيان لم يجدى فتيلاً و لم ينفع شيء و انما كان كالهباء فى الهواء. ان هذة المناشدة الحارة لم تجد صداها الواجب. كأن الجمهور المخدوع كالزجاجات المعبأة الى نهايتها لا تقبل جديداً و لا مزيد)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis