انقلاب أم ترويض




انقلاب أم ترويض 
خالد حربي
السبت 29 ديسمبر 2012

في البدء لابد أن ندرك أن مصالح أمريكا العليا في مصر تتمثل في ثلاث نقاط هامة :

-  أمن اسرائيل .

-   الاقتصاد الحر الذي يضمن لها السيطرة على الاقتصاد .

-   الحافظ على المنظومة الأمنية في المنطقة من خلال الحرب على

    السلفية الجهادية وعدم عقد تحالفات إقليمية .


إذا أدركنا أن هذه هي مصالح أمريكا فسندرك تلقائيا أنها تحتاج نظام سياسي مستقر ومسيطر في مصر .

وحين نستطيع أن نحدد القوى السياسية القادرة على خلق هذه النظام سنجد وقتها الإجابة الصحيحة على هذا السؤال :

( ما يحدث في مصر الآن هل هو انقلاب على السلطة أم ترويض لها ؟

في أوائل التسعينات قرأت تقريراً للمخابرات الأمريكية يصنف الحركات الإسلامية وهو تقرير طويل ودقيق - ربما يحتاج مقال مفصل للحديث عنه- لكن أهم ما فيه أنه صنف الإخوان باعتبارهم تيار إسلامي إصلاحي يجب ترويضه لأنه سيكون البديل الوحيد في حال سقطت الأنظمة العلمانية القمعية في العالم الإسلامي .

أمريكا تدرك الآن أن القوي السياسية الفاعلة في الواقع المصري لا يوجد بينها من يمكنه الحكم وفق صيغة تضمن الاستقرار والسيطرة سوى الإخوان .

فالتيار الليبرالي متشرذم وراء زعامات منقسمة على مصالحها الخاصة وهو تيار لقيط لا جذور له في الشارع وسيكون محل ارتياب وتوجس من الشعب المصري .. وقد تصبح مهمته مستحيلة في ظل وجود القوى الاسلامية في المعارضة ولا يوجد لديه آلية للتعامل مع المعارضة الاسلامية القوية سوى القمع وهو خيار لا يصلح للمرحلة بعد ما استهلكه مبارك لسنوات طويلة وثبت فشله وخطورته خلالها .



أما العسكر فقد أثبتوا خلال عام ونصف وبدون قصد منهم أنهم أخطر على مصالح أمريكا من أي طرف أخر على الساحة فأخطاؤهم السياسة قاتلة وأوشكت أن تطيح بكل الترتيبات والخطط الأمريكية أكثر من مرة ولذلك هم لا يصلحون سوى لحراسة اللعبة من فوق الدبابة بعيداً عن مكاتب الساسة .



أما فلول نظام مبارك فقد استنفذ مرات الرسوب بعد خسارتهم الانتخابات الرئاسية حين اصطفت أغلب القوى السياسية ضدهم وفضلت عليهم مرشح الإخوان .



إذا سلمنا بهذا إذا ما الذي يحدث في مصر ؟

لماذا لا تساعد أمريكا على استقرار النظام السياسي الجديد ؟



لا خلاف أن الحراك الأخير للمعارضة الليبرالية تم بتفاهم ودعم أمريكي لكن الخلاف يكمن حول المغزي الأمريكي من هذا الحراك ؟

ما أراه في هذا أن أمريكا ترعى هذه الحراك ضد الإخوان ليس بهدف إقصائهم بل بهدف الإبقاء عليهم في السلطة .

وبمعني أخر أن ما يتم هو عملية ترويض للسلطة وليس انقلاب عليها تماماً كما يحدث في الجيش المصري حين يقوم بتكدير المجنديين الجدد بهدف كسر إرادتهم وانصياعهم .. وكما يحدث في السجون حين يتم إذلال المساجين الجدد لضمان السيطرة عليهم مستقبلا .

في العصور القديمة كانت الدول الاستعمارية تقوم بتلميع حلفائها في البلاد المحتلة وتقدمهم كقادة وزعماء عظام يلهبون العامة بفصاحتهم ومواقفهم العنترية حتى جاء عبد الناصر وأستغل هذا التلميع في الانقلاب على أمريكا مستقوياً بشعبيته وتحالفه مع السوفيت عندها أدركت القوي الاستعمارية أن شعبية الحاكم وتفرده على شعبه خطأ لا يجب تكراره .

الحاكم في الكتالوج الجديد يجب أن يكون ضعيفا ذا شعبية محدودة ومعارضة قوية بحيث تكون المساندة الأمريكية أقوى حيثيات بقاءه في الحكم فلا يقوى على الوقوف في وجه الرغبات الأمريكية وبحيث يدرك جيدا أنه باقي في منصبه فقط لان المنظومة الدولية مبقية عليه ومن ثم فأية ممانعة عليها ستعني بلا شك الخروج من قصر الحكم .

ولهذا كان يجب على أمريكا أن تقوم بإيصال رسالة هامة إلى جماعة الإخوان - التي تتمتع بشعبية حقيقة في الشارع - بعدما جلس أحد أعضائها على كرسي الرئاسة لتظهر فيها مدي عجز الجماعة عن مواجهة المشهد السياسي بمفردها وتؤكد فيها أن لا الشعب ولا الصناديق يضمن لكم الاستمرار في السلطة فكل هذا قد يتغير في أيام قليلة .

وصلت الرسالة خلال الأسابيع الماضية و كادت الجماعة تلحق بنظام مبارك وعجزت الشعبية أو الديمقراطية أن تنصرها ولولا أن أمريكا لم ترد لهذا الانقلاب أن يحدث لحدث بالفعل . إذا شاء الله .



بعد هذه الرؤية للواقع أصبح من الحتمي أن نقول :

أن ثورة لن تنتصر وشعب لن يتحرر وكرامة لن تعود وحقوق لن تسترد إلا بسلطة حقيقية متمردة على النظام الدولي ومقاومة له .

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis