بيان فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبد الرحمن النقيب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد
فانطلاقاً من قول الله ـ عزّ وجلّ ـ : « وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبيّننهُ للناس ولا تكتمونه»، فإننا كأيّ مُسلم يؤمنُ بالله واليوم الآخر نؤكّدُ على الحقائق التالية :
  • 1. سفكُ الدماء المعصومة من أعظم الحُرمات عند الله ـ عزّ وجلّ ـ ، فلا « يحلُّ دم امريء مسلم إلّا بإحدى ثلاث: الثيّبُ الزاني، والنّفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المُفارقُ للجماعة» [متفقٌ عليه]، وهؤلاء المسلمون الذين سالت دماؤهم بالمئات ووقع فيهم آلافُ الجرحى لم يرتكبوا شيئاً مما تحلُّ به دماؤهم بهذه الصورة البشعة المُنكرة التي لا يقبلها إنسانٌ لم ينسلخ من آدميّته، فضلاً عن أهل الإسلام الذين يعتقدون حرمة الدماء، فإنه لا يُتصوّرُ أن يقتل مسلمٌ أخاه بغير ذنبٍ، لقوله ـ سبحانه ـ : «وما كان لمؤمنٍ أن يقتُلَ مؤمناً إلّا خطأً»، فكيف ونحنُ في شهر رمضان؟ وكيف بأقوامٍ يقومون الليل ويصومون النهار؟!
  • 2. إن ما حدثَ طوال الفترة الماضية من سفكِ الدماء خصوصا عند المنصة وطريق النصر: بغيٌ وظلمٌ وعدوانٌ بيّن، فالأخوة الإيمانيّة بين المسلمين تقتضي تعظيم شأن الدماء لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : «وكونوا عباد الله إخوانا، المسلمُ أخو المسلم لا يظلمهُ ولا يخذلُهُ ولا يُسلِمُه، بحسب امريء من الشرّ أن يحقر أخاهُ المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمهُ ومالهُ وعرضه»، وقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ألا يقتلوا إخوانهم في الدين، وجعلَ قتلَ بعض أبناءِ الدين الواحد لبعض كأن يقتل أحدهم نفسه! فقال: «ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم»، ثم بيّن عقوبة ذلك فقال: «فما جزاءُ من يفعلُ ذلك منكم إلّا خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردُّون إلى أشدِّ العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون».
  • 3. «المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمّتهم أدناهم، ويُجيرُ عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم»، فليست دماءُ بعض المسلمين أزكى من دماء بعض، وليس من دين الإسلام أن يُحمى بعضُ المسلمين وتُصان دماؤهم، ويُعتدى على فريقٍ آخر وتسفكَ دماؤهم!! مهما كان الخلاف بينهم، بل واجبٌ على أجهزة الدولة لا سيّما الجيشُ والشرطة أن يحفظوا دماء جميع المسلمين.
  • 4. لا يجوزُ تفويضُ أحدٍ في سفكِ قطرة دمٍ واحدة من دماء المسلمين، وهذه هي سنة فرعون الذي قال: «ذروني أقتل موسى وليدعُ ربَّهُ إني أخافُ أن يُبدِّلَ دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد»، بل قال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : «لزوال الدنيا وما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله تعالى النار»، وقال الله ـ عزّ وجلّ ـ بعد أن ذكر قصة قتل ولد آدمَ لأخيه بغياً وظلما وعدواناً: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتلَ نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
  • 5. مع أننا نؤمنُ إيماناً راسخا جازماً بالمنهج النبوي في الإصلاح والتغيير، المُخالف لمنهج الديمقراطية الفاسدة في فلسفتها وآلياتها، وإنكارنا لفكرة الحشود والمُظاهرات والاعتصامات والانقلابات، وتأكيدنا على أهمية التربية والإصلاح والارتقاء بالأمة، أقول: مع كلّ هذا إلّا أنه لا يجوزُ الفرح ولا الرضا ولا الإقرارُ ولا السكوتُ على سفك دماء المسلمين المعصومة، ومن فعل ذلك كان مُتحمّلا لوزر هذه الدماء مُشاركاً فيها؛ لقول النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : «إذا عُمِلَت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها»، وممن يحملُ هذا الإثم العظيم أولئك الذين لبسوا الدين بالأغراض زعماً نصرة الدين!! حتى لبّسوا على الناس دينهم، وأدّت بهم أهواؤهم الفاسدة إلى أن أيّدوا هذا التفويض الآثم بالقتل، حتى وصف أحدهم تظاهرات المفوّضين بأنها رائعة!! فلينظر هو ومن خلفهُ بأيّ دماءٍ معصومة سيلقون الله ـ عزّ وجلّ ـ !!!
  • 6. إن سرعة التجاوب التي أظهرتها الكنائس الثلاثة ومن خلفها نصارى مصر، والمُنافقون من الرافضة وغلاة العلمانيين، وغيرهم من المُفسدين في الأرض، وكثير من الدهماء المغرر بهم، ومُبادرتهم جميعاً إلى الموافقة على سفك الدماء بحجّة مُقاومة العنف والإرهاب، ثم شكرهم بعد ذلك لمن شاركوا في هذه المجزرة البشعة!! كل هذا يبعث برسالة خطيرة مفادها: أن جيش مصر وشرطتها قد تغيّرت رسالتُهما من حفظ أمن البلاد الخارجيّ والداخليّ إلى استهداف طائفة كبيرة من الشعب لمجرّد خلافٍ سياسيّ وصراعٍ على السلطة، وهو ما ستترتّبُ عليه عواقبُ وخيمة جداً.
  • 7. لا يصحٌّ الاستشهادُ بحديث: «فالقاتل والمقتولُ في النار»، لأنّ النبيّ قال قبلها: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما»، ثم بيّن علّة دخول المقتول في النار فقال: «إنه كان حريصاً على قتل صاحبه»، وهؤلاء الأبرياءُ الذين قُتلوا بدمٍ بارد لم يرفعوا السلاح على المسلمين ولم يخرجوا عليهم ولم يكونوا حريصين على قتل أحدٍ من المسلمين أصلاً حتى نبرر قتلهم بهذه الوحشية، ونبرأ إلى الله من ذلك وممن يبررون ذلك بزعم أنهم خوارج!!
  • 8. أليس من مُكافحة العنف والإرهاب الأخذُ على أيدي البلطجيّة، وعصابات البلاك بلوك المشبوهة في انتماءاتها الطائفيّة، أم أن قوانين البلاد تسمح بتشكيل العصابات المُسلّحة التي تسفكُ دماء المسلمين وتعتدي على أرواحهم، وكيف يسوغُ أن يرى الناس هذه العصابات وهي تحتمي في أجهزة الشرطة ورجالها ومُدرّعاتها؟؟!! وما معنى ذلك؟؟!!
  • 9. المساجدُ هي بيوت الله في الأرض، ولها حرمةٌ عظيمة في دين الله ـ عزّ وجل ـ ، فكيف تُحاصرُ بيوتُ الله وتمنعُ فيها الصلوات ويُروَّعُ المصلُّون الآمنون فيها على يد البلطجيّة والعصابات المسلحة والبلاك بلوك وغيرهم؟؟ وأين دور الجيش والشرطة في تأمين دور العبادة؟ وهل لو كان هؤلاء البلطجيّةُ يُحاصرون كنيسة سيُتركون هكذا دون رادع؟! إن الاعتداء على المساجد من أعظم الظلم والبغي لقول الله: «ومن أظلمُ ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمهُ وسعى في خرابها».
  • 10. إن الحملة الإعلاميّة الشعواء الظالمة على كل مظاهر التديُّن وشعائر الإسلام الظاهرة تؤذِنُ بتغيير كبير في ثقافة المُجتمع المصريّ المُسلم، وهو ما يُشكِّلُ خطرا على السلم المُجتمعيّ، خصوصاً بعد تكرر الاعتداءات على أبناء هذا الوطن ممن التزم بسنة النبي الظاهرة، مع أن أكثرهم لا ينتمون لأية أحزابٍ أو اتجاهات سياسيّة، بينما يحظى الآخرون من غيرهم بالأمن والأمان والإكرام!! فأين حقوق المواطنة والمُساواة؟ وهل ستكون هذه حربا على الهويّة برعاية الدولة المصرية؟ هذا ما لا نرجوه.
  • 11. وكلمةٌ أخيرةٌ إلى الشرفاءِ من رجال الأمن في الجيش والشرطة: اتقوا الله في بلادكم وفي دماء المسلمين، فإن الله قال: «ومن يقتل مؤمنا مُتعمداً فجزاؤهُ جهنّمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً»، وعليه: فلا يجوزُ لرجال الأمن من الجيش والشرطة إراقةُ هذه الدماءِ المعصومة، ولا يجوزُ للقادة أن يأمروا جنودهم بالقتل، ولا يجوزُ للجنود طاعةُ قادتهم في قتل المُعتصمين، لا سيّما المُصلّين الصائمين الطائعين لربهم ـ سبحانه وتعالى ـ ، وما يحدُثُ أمام أعينكم من سفكٍ لهذه الدماء، وتركٍ لتلك العصابات الإجراميّة المُسلّحة تعيثُ في الأرض الفساد: مُؤذِنٌ بدخول البلاد في نفقٍ مُظلمٍ لا يعلمُ عواقبهُ إلا الله.
اللهم إنا نبرأُ إليك من سفك دماء المسلمين بغير حقّ، اللهم إنا نبرأُ إليك من سفك دماء المسلمين بغير حقّ، اللهم إنا نبرأُ إليك من سفك دماء المسلمين بغير حقّ، وحسبُنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أ. د. أحمد النقيب
قبل فجر الأحد 19 رمضان 1434هـ=28 يوليو 2013م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis