الصفة الثالثة من صفات الطائفة المنصورة




 يوالون ويعادون في الله

من أبرز خصال وصفات الطائفة المنصورة أنهم يوالون ويحبون في الله .. ويعادون ويكرهون في الله .. فهم أذلة على المؤمنين رحماء فيما بينهم أعزة على الكافرين أشداء عليهم .. لا يعرفون ولاءً إلا ولاء العقيدة الذي يُعقد في الله تعالى كما قال تعالى:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) الفتح:29.


                                                        منقول عن الشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة                  

وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة:54.

وهذه آية تكاد تجمع أخص صفات الطائفة المنصورة التي منها  صفة الإتباع ويظهر ذلك في قوله: (يحبهم ويحبونه) وهذه ميزة لا ينالها إلا من تحققت فيه صفة كمال الإتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ) آل عمران:31. فكلما كمل إتباع العبد كلما كمل حبه  لله تعالى وحب الله له .. فكمال إتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم دليل على كمال حبهم لله تعالى .. فكل منهما لازم وملزوم للآخر وعلامة دالة عليه.

ومنها: صفة الجهاد في سبيل الله وأنهم لا يخافون في الحق لومة لائم ويظهر ذلك في قوله:(  يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) المائدة:54.

ومنها: صفة الولاء والبراء اللذان يعقدان على أساس الانتماء الإيماني العقدي ويظهر ذلك في قوله تعالى:(  أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِين )المائدة:54.

وكما قال تعالى عنهم في آية أخرى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) التوبة: 71.

وقال تعالى: ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران:28

وجعل سبحانه وتعالى موالاتهم من دون المؤمنين قرينة دالة على النفاق والكفر والكذب وإن زعموا بلسانهم خلاف ذلك، كما قال تعالى:( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء) المائدة:81.

وقال تعالى:(  وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) المائدة:51.

وقال تعالى :( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) الكهف:102  فهذا مستحيل أن يحصل ولو حصل شيء منه لخرجوا عن صفة العبودية لله تعالى إلى عبودية الشيطان والطاغوت كما قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الأعراف:27.

وقال تعالى:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) البقرة:257.

والموالاة والمعاداة في الله من أوثق عرى الإيمان وهي صفة لا تتحقق إلا عند كاملي الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم:( أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل )[رواه أحمد والحاكم والطبراني، صحيح الجامع: 2539].

وقال تعالى:( من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )
[أخرجه أبو داود وغيره، السلسلة الصحيحة:380].

والذي نريد إثباته هنا أن الطائفة المنصورة ـ صفوة الأمة جهاداً وعملاً  ـ يعقد ولاؤهم وبراؤهم على أساس الانتماء العقدي الديني وليس شيئاً آخر غير ذلك فهم يحبون ما يحبه الله ويرضاه ويبغضون ما يبغضه الله ويسخطه ومن دون أن يلتفتون إلى أي اعتبار أو رابط أرضي آخر، فالمرء عندهم بقدر طاعته لله ولرسوله وبقدر قربه من الحق بقدر ما يعطى من الود والموالاة والنصرة وبقدر عصيانه وبعده عن طاعة الله ورسوله بقدر ما يعطى من الجفاء والمعاداة .. بغض النظر عن لونه ولغته وموطنه .. ولا يستحق مطلق المعاداة والمجافاة إلا من كان كافراً محاداً لله ولرسوله .. وعبداً للشيطان والطواغيت.

فميزان التفاضل في نظر الإسلام .. هو ميزان التقوى والعمل الصالح .. بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  الحجرات:13.

فهذا هو الميزان الذي على أساسه يتم التفاضل والتمايز .. ويُعطى  الولاء أو البراء .. وهو ما تلتزم به الطائفة المنصورة في تعاملها مع الآخرين أما أولئك الذين يعقدون الولاء والبراء على أساس روابط ووشائج أخرى غير وشيجة العقيدة والإيمان .. فهم على خطر كبير .. ومن أبعد ما يكونون عن أخلاق وصفات الطائفة الظاهرة المنصورة .. مهما تشبعوا بلسانهم على أنهم منهم .  



 صور من الولاءات الجاهلية الواسعة الانتشار
                  في الأمة ينبغي التحذير منها

  لكى تستبين سبيل المجرمين ويتميز الحق من الباطل لا بد من أن نشير إلى بعض الصور من الولاءات الجاهلية الواسعة الانتشار .. فرقت الأمة في تكتلات وانتماءات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان .. يعقد على أساسها كثير من الناس الولاء والبراء فيوالون ويعادون ويقسمون الحقوق والواجبات فيما بينهم على أساس الانتماء إليها من دون الله تعالى ومن هذه الصور: 


1 -  انعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء الحزبي : وصورته أن تُعقد الموالاة والمعاداة على أساس الانتماء إلى الحزب فمن كان من الحزب أو أنصار الحزب والوه وقربوه ووصلوه ومن كان ليس من الحزب وليس من أنصاره عادوه وجافوه بغض النظر عن دينه وأخلاقه وسلوكه ..!

 
  ومن صوره كذلك مناصرة الحزب وتأييده في الحق والباطل وعلى الخير والشر .. لكون هذه المواقف صادرة عن الحزب !
فإذا ما ذُكر الحزب بشيء من النقد وإن كان حقاً سرعان ما تثور ثائرتهم .. ويشتد غضبهم وإنكارهم على من تجرأ فوجه ذلك النقد ..!
فكل شيء عندهم قابل للنقد والتقييم والتعقيب إلا الحزب ورجالات الحزب .. ومبادئ وأفكار الحزب؟!!                                 


ومن مظاهره كذلك أن ينال كل ما يصدر عن الحزب من تعليمات وتوجيهات القبول التام لكونها صادرة عن الحزب أو الجماعة .. بغض النظر عن صوابها أو خطئها .. أو موافقتها للحق .. ومن دون أن يردها إلى الشرع ويعرف حكم الله فيها !


ومن مظاهره كذلك تقديم أقوال الحزب وحكمه على قول الله ورسوله .. وهو من أشنع ما يؤخذ على من يقع في الولاء الحزبي المذموم !
ومنه كذلك أن لا يُقبل الحق إلا إذا جاء من خلال قنوات الحزب .. ولو جاء من غير طريق الحزب لا ينال عندهم القبول أو نفس القبول كما لو جاءهم عبر طريق الحزب وقنواته ..!
 

ومن علامات ذلك أنك إن جادلت أحدهم في مسألة ما ويكون الحق بجانبك ومع ذلك تراه يماري ويجادل ويقلل من قيمة هذا الحق الذي أنت عليه .. فإذا أخبرته بأن هذا الذي تقول به هو قول الحزب وقول قادة حزبه .. تراه يتراجع عن جداله ومماراته ويقر لك أن هذا هو الحق المبين ..!! 

ولو وقع قادة الحزب في خطأ جلي ظاهر .. تراهم يتأولون لهم خطأهم ويقيلون عثرتهم ويقللون من شأن خطئهم وكأنه لم يكن .. بينما لو وقع حزب آخر أو شخص آخر بنفس الخطأ بل وأقل منه تراهم لا يرحمونه .. حيث يحملون عليه أسوأ عبارات الطعن والتجريح والتأثيم ..؟!!


فهذه الصور كلها من الولاء الحزبي المذموم ومما قد نهى الله تعالى عنه وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 11/92: وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزباً فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .
وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق أو الباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمر بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان ا- هـ.


وقال شيخ الإسلام أيضاً :  28/20: من حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويُعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى ولا من جند المسلمين ولا يجوز أن يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين بل هؤلاء من عسكر الشيطان ا- هـ.

2 - موالاة العالم أو الشيخ لذاته .. وانعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء المشيخي: من صور الموالاة الباطلة السائدة في أمصار المسلمين موالاة الشيخ لذاته .. ولها صور عدة :


منها : أن الناس يحبونه لذاته فيوالون فيه ويُعادون فيه .. يوالون من يواليه ويدخل في طاعته .. ويُعادون من يُعاديه أو يجافيه .. بغض النظر عن اعتبار الدين والخلق .. وأيهم أحسن عملاً ؟!


ومنها : التعصب لأقواله ومذاهبه في الحق والباطل .. فيما أخطأ فيه أو أصاب .. والقتال دونها .. لكونها صادرة عنه .. ومن دون ردها إلى الكتاب والسنة ..!
 

ومنها : أن أتباعه لا يقبلون في حق شيخهم نقداً . ولا تعقيباً . فهم لا يُطيقون أن يروا أحداً يعقب عليه في مسألة أو جزئية ـ ولو كان محقاً ـ ومن يفعل . فسرعان ما تثور ثائرتهم عليه بالإنكار والزجر والتوبيخ .. لأن الشيخ في نظرهم فوق أن يُعقب أو يُستدرك عليه في شيء..؟!
 

ومنها : أنهم يتعاملون مع كلامه وفتاويه بقدسية بالغة .. كأنها أحرف منزلة من السماء .. غير قابلة للنقاش أو الرد ..؟!
فكل يؤخذ منه ويُرد عليه .. عدا شيخهم فإنه يؤخذ منه ولا يُرد عليه .. وهذا إن لم يقولوه بلسان القال فإنهم يقولونه بلسان الحال والعمل .. وهو في كثير من الأحيان أصدق تعبيراً من لسان القال ..!
 

ومنها : تقديم قوله على الكتاب والسنة .. تحت زعم أن الناس لا يفهمون الكتاب والسنة . وهم دون الشيخ فهماً وعلماً . وأن الشيخ هو أفهمهم وأعلمهم بالكتاب والسنة .. فهو لم يخالفهما إلا لوجه معتبر عنده يعرفه هو والآخرون لا يعرفونه ..؟!!      

ومنها : رد الحق إذا جاء مخالفاً لقوله .. فالقول قوله وإن كان باطلاً معارضاً لصريح الأدلة من الكتاب والسنة !       


ومنها : أن الحق لا يُقبل إلا إذا جاء منه أو من طريقه .. ولو جاء من طريق غيره لا ينال عند القوم نفس القبول كما لو جاء عن طريق شيخهم ..؟!


ومنها : حمل أخطائه دائماً على التأويل والمحمل الحسن .. بينما لو وقع غيره بنفس الأخطاء فإنه يُفسق ويُجرّم .. وتقوم عليه الدنيا ولا تقعد! فهم يرضون ـ أو على الأقل لا يُبالون! ـ أن يُقال أسوأ القول في أي شيخ أو شخص آخر .. فالأمر عليهم هيناً لا يثير حفيظتهم أو غضبهم .. أما أن يُقال شيء من ذلك في شيخهم ـ ولو بالحق ـ فهذا غير ممكن .. ولا  يُسمح به !  لحمه مسموم بالسم الأصفر القاتل .. الويل لمن يقترب منه .. ولحوم غيره من أهل العلم والفضل .. مشوية ومبهرة وشهية .. لا حرج من نهشها وأكلها ..! 


فالناس إن وصلوا إلى هذا الموصل في التعامل مع شيوخهم أو علمائهم  .. فإنه يُحمل عليهم ـ ولا بد ـ ما قاله تعالى في أهل الكتاب من قبل: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ  التوبة:31. وذلك عندما اتبعوهم فيما أخطأوا فيه .. فأطاعوهم في تحليلهم لما حرم الله وتحريمهم لما أحل الله .. وقدموا قولهم على ما أنزل الله تعالى في التوراة والإنجيل .. فكانت تلك عبادتهم واتخاذهم أرباباً من دون الله تعالى ! 


كما جاء ذلك من حديث عدي بن حاتم وكان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نصراني فسمعه يقرأ هذه الآية : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يُشركون قال: فقلت له إنا لسنا نعبدهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أليس يُحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويُحلون ما حرم الله فتُحلونه )؟ قال: قلت: بلى قال:( فتلك عبادتهم ).

وكذلك قال أبو البحتري: أما إنهم لم يُصلوا لهم ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ـ بمعنى الركوع والسجود والتنسك ـ ما أطاعوهم ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية !


وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: كيف كانت الربوبية في بني إسرائيل ؟ قال: كانت الربوبية أنهم وجدوا في كتاب الله ما أمروا به ونهوا عنه فقالوا: لن نسبق أحبارنا بشيء فما أمرونا به ائتمرنا وما نهونا عنه انتهينا لقولهم فاستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم[عن الفتاوى لابن تيمية: 7/67].


قال ابن تيمية في الفتاوى 7/71-72: أما إن كان المتبع عاجزاً عن معرفة الحق على التفصيل وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد فهذا لا يؤاخذ إن أخطأ كما في القبلة وأما إن قلد شخصاً دون نظيره بمجرد هواه ونصره بيده ولسانه من غير علم أن معه الحق فهذا من أهل الجاهلية. 


وقال: من علم هذا خطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل عن قول الرسول فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمه الله لا سيما إن اتبع في ذلك هواه ونصره باللسان واليد مع علمه أنه مخالف للرسول فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه.


وقال 28/19-20: كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد فيوالي من يواليه ويُعادي من يُعاديه مطلقاً وهذا حرام ليس لأحد أن يأمر به أحداً ولا يجيب عليه أحد بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة يجمعهم فعل ما أمر الله به ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله ومن حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى ولا من جند المسلمين ولا يجوز أن يكون هؤلاء من عسكر المسلمين بل هؤلاء من عسكر الشيطان .                                                          


وقال 8/217: فإن فرعون وإبليس كل واحد منهما يطلب أن يعبد ويُطاع من دون الله وهذا الذي في فرعون وإبليس غاية الظلم والجهل وفي نفوس سائر الأنس والجن شعبة من هذا .. وذلك أن الإنسان يريد نفسه أن تطاع وتعلو بحسب الإمكان والنفوس مشحونة بحب العلو والرئاسة بحسب إمكانها فتجده يوالي من يوافقه على هواه ويعادي من يخالفه في هواه وإنما معبوده ما يهواه ويريده قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً  : الفرقان:43 .


والناس عنده كما هم عند ملوك الكفار من الترك وغيرهم ( يال، ياغي ) أي صديقي وعدوي فمن وافقهم كان ولياً وإن كان كافراً ومن لم يوافقه كان عدواً وإن كان من  المتقين وهذا حال فرعون.


والواحد من هؤلاء يريد أن يُطاع أمره بحسب إمكانه لكنه لا يتمكن مما تمكن منه فرعون من دعوى الإلهية وجحود الصانع وهؤلاء وإن أقروا بالصانع فإذا جاءهم من يدعوهم إلى عبادة الله المتضمنة ترك طاعتهم عادوه كما عاد فرعون موسى عليه السلام وكثير من الناس عنده عقل وإيمان لا يطلب هذا الحد بل تطلب نفسه بما هو عنده فإذا كان مطاعاً مسلماً طلب أن يُطاع في أغراضه وإن كان فيها ما هو ذنب ومعصية لله ويكون من أطاعه أحب إليه وأعز عنده ممن أطاع الله وخالف هواه وهذه شعبة من حال فرعون وسائر المكذبين للرسل .


وقال 28/15-17: وليس للمعلمين أن يُحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقى بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الأخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ :  المائدة:2 .
 

وليس لأحدٍ منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريد وموالاة من يواليه ومعاداة من يُعاديه بل فعل هذا كان من جنس جنكزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقاً ولياً ومن خالفهم عدواً باغيا .. بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يُطيعوا الله ورسوله ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله.
 

وإذا وقع بين معلم ومعلم أو تلميذ وتلميذ أو معلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يُعين أحدهما حتى يعلم الحق فلا يُعاونه بجهل ولا بهوى، بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق ولقيام بالقسط .

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً  : النساء:135 

ومن مال مع صاحبه ـ سواء كان الحق له أو عليه ـ فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع الحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يُرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء.

وقال رحمه الله 28/227-228: وليس لأحد أن يُعلق الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعاداة والصلاة واللعن بغير الأسماء التي علق الله بها ذلك: مثل أسماء القبائل والمدائن والمذاهب والطرائق المضافة إلى الأئمة والمشايخ .
فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان . انتهى كلامه رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.


ـ تنبيه : ينبغي أن نفرق بين احترام العلماء وتوقيرهم وإنصافهم وطاعتهم بالمعروف وبما أصابوا فيه وبين التعصب لأسمائهم وذواتهم وأقوالهم .. في الحق والباطل .. وعقد الموالاة والمعاداة فيهم وعليهم .. ولذواتهم !


فالأول واجب قد شرعه الله تعالى لعباده وأمرهم به كما في الحديث:( ليس من أمتي من لم يُجِل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالِمنا )[أخرجه أحمد وغيره، صحيح الترغيب:96]. أي يعرف له حقه من توقير واحترام وتكريم .. من غير إطراء ولا إسراف !


والثاني باطل مؤداه إلى الوقوع بالشرك .. قد نهى الشارع عنه وحذر منه أشد التحذير كما تقدم .
 

والذي حملنا على هذا التنبيه أن كثيراً من الناس يخلطون بين الأمرين .. بين الموالاة المشروعة .. والموالاة المذمومة .. فيقعون في الغلو والإسراف في الإطراء والموالاة .. ويظنون ذلك من النوع المشروع المباح .. لما للعلماء من فضل وحق على الأمة والعباد .. لذا لزم التنبيه والبيان!

3 -  الولاء الوطني أو انعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء الوطني: لا نعني به حب الأوطان مسقط الرأس والحنين إليها .. فهذا وارد لا خلاف عليه قد دلت السنة عليه كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة لما أخرجه المشركون منها:( إنك لأحب أرض الله إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك لما خرجت ). هذا المعنى حق ومشروع وهو غير معني من حديثنا .. وإنما نعني الوجه الآخر للولاء الوطني السائد في الأمصار والمعمول به في جميع الأنظمة والدساتير المعاصرة وصِفته: أن تُعقد الموالاة والمعاداة .. والحقوق والواجبات بين العباد على أساس انتمائهم للحدود الجغرافية للوطن الذي ينتسبون إليه حيث لا فرق بين الكافر والمؤمن .. وبين أهل ملل الكفر والزندقة كلها وأهل ملة الإسلام في الموالاة والمعاداة .. والحقوق والواجبات .. ما دام الجميع ينتمون إلى وطن واحد وبقعة جغرافية واحدة .


وهذه النظرة للوطنية المعمول بها ـ في جميع أمصار المسلمين ـ تغيب الولاء والبراء على أساس الانتماء للعقيدة أو الدين .. أو أساس التقوى وأيهم أحسن عملاً وخُلقاً .. وتحتم على المسلمين أن يوالوا أفجر وأكفر أهل الأرض ويمنحوه من الحقوق والواجبات .. كما يوالون أتقى وأصلح أهل الأرض .. ويمنحونه من الحقوق والواجبات .. ما دام هذا الكافر الفاجر وهذا التقي الصالح يجمعهما وطن واحد .. وحدود قطر واحد !
وهي تحتم كذلك أن من كان يعيش خارج هذه الحدود الجغرافية للقطر أو ينتمي إلى غيره من الأقطار .. ولو كان أتقى أهل الأرض وأصلحهم .. فإنه  لا يُعطى أدنى الحقوق والموالاة التي يُعطاها أكفر وأفجر من يعيش ضمن تلك الحدود الجغرافية للقطر أو ينتمي إليه ..! 


فالوطن بهذا المفهوم الشائع .. والمعمول به في أكثر الأمصار .. وثن يُعبد من دون الله .. يُعقد فيه الولاء والبراء .. والحب والبغض .. والسلم والحرب .. وقد بلغ ببعض دعاة الوطنية مبلغاً أن ينسبوا الربوبية صراحة لهذه الأوطان .. ويصرفوا إليها صنوفاً عديدة من التنسك والعبادات !!
 

فانظر مثلاً ماذا يقول أحمد محرم الشاعر المصري في وطنه مصر:

 
فإن يسألوا ما حُبَّ مصرَ فإنه
دمي وفؤادي والجوانح والصدرُ
أخافُ وأرجو وهي جَهدُ مخافتي
ومرمى رجائي لا خفاءُ ولا نُكرُ
هي العيشُ والموتُ المبغَّضُ والغنى
لأبنائها والفقرُ والأمن والذُعـرُ
هي القدرُ الجاري هي السخطُ والرضى
هي الدينُ والدنيا هي الناس والدهرُ
بذلك آمنا فيا من يلومنا
لنا في الهوى إيماننا ولك الكـفرُ !!

                          ويقول شوقي كذلك

 ويا وطني لقيتُكَ بعد يأسٍ ... كأني لقيتُ بك الشبـابا
وكلُّ مسافرٍ سيئوبُ يوماً ... إذا رُزقَ السلامة والإيابا
ولو أني دُعيتُ لكنتَ ديني ... عليه أُقابلُ الحتمَ المُجابا
أدير إليك وجهي قبل البيتِ .. إذا فُهتُ الشهادة والمتابا
 
قلت: هذه القدسية والعبودية للأوطان ـ التي هي شرك أكبر ـ قد انعكست على أخلاق الناس وعقائدهم وأفكارهم وسلوكياتهم .. حتى أننا نجد من المستساغ جداً أن يقول أحدهم عن نفسه: أجاهد وأقاتل في سبيل الوطن .. أموت في سبيل الوطن .. أتبرع بمالي وأبنائي في سبيل الوطن .. أضحي بكل شيء في سبيل الوطن .. الوطن غالي يستحق منا كل غالٍ ونفيس .. فكل شيء في سبيل الوطن يرخص ويهون .. ويقصد من وطنه تلك الحدود الجغرافية للإقليم التي ينتمي إليها .. فإذا كان وطنه هذا بسلام .. فعلى بقية أوطان وأمصار الإسلام الأخرى السلام .. فهي لا تعني له بشيء .. المهم عنده وطنه .. فوطنه حفظه الله وحماه .. وبقية أوطان المسلمين فلعنة الله عليها         
 

وهذه السياسة .. بل قل هذه العقيدة الوثنية في عبادة الأوطان وتمجيدها ..نجدها مكرسة في جميع قوانين ودساتير الأنظمة العربية المعاصرة حيث ما من دستور إلا ويُقصر أصحابه على الدفاع عن حدود إقليمهم ووطنهم فقط .. مهما أصاب أمصار المسلمين وأقاليمهم الأخرى من دمار أو هلاك أو اعتداء .. فهذا لا يعنيهم في شيء .. ودستورهم لا يلزمهم بالدفاع عنها .. كما هو حاصل في موقفهم من فلسطين .. والشيشان .. وأفغانستان .. وكشمير .. والفلبين وارتيريا .. والسودان .. وغيرها الكثير الكثير من أمصار المسلمين التي تواجه اعتداء صريحاً من قبل أعداء الإسلام!
 

فباسم الوطن والوطنية والولاء الوطني .. مزقوا البلاد إلى أوطان وأوطان .. ورسموا لكل وطن حدوداً وشعاراً .. وألفوا له نشيداً وطنياً يحفظونه الأبناء والأجيال ليتغنوا به دون سواه .. ففرقوا بذلك بين الأخوة المسلمين إلى دويلات ممسوخة ومتفرقة .. وولاءات متضاربة متناحرة متنافرة .. لا تزيد أمة الإسلام إلا ضعفاً واحتقاراً وازدراءً في أعين أعدائها .. ولا حول ولا قوة إلا  بالله!!
 

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/541: أن من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر ا- هـ.
 

ـ مفهوم الوطنية في الإسلام.

الوطن في نظر الإسلام هو الوطن الذي يخضع لسلطانه وأحكامه فأيما وطن خضع لسلطان الإسلام وأحكامه وعقيدته  ـ يوماً من الأيام ـ فهو وطن الإسلام هو الوطن الذي يتسع اتساع وانتشار العقيدة الإسلامية في ربوع الأرض والبلاد فحيثما يهيمن الإسلام وتكون الكلمة له .. فهو حينئذٍ وطن للإسلام والمسلمين .
 

وكل إنسان يخضع لسلطة وأحكام هذا الوطن الإسلامي ـ بما فيهم أهل الذمة ـ فهو المواطن الذي يُعطى حقوق وواجبات المواطنة .. على ضوء التفصيلات المبينة في الفقه الإسلامي ذات العلاقة بالموضوع .
 

فهذا الوطن بمواصفاته الآنفة الذكر هو وطن كل مسلم في العالم على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ولغاتهم .. لهم فيه كامل الحقوق والواجبات!
وهو الوطن الذي يجب الدفاع عنه ـ بكل غالٍ ونفيس ـ وحراسته من أي خطر يتهدده مادياً كان أم معنوياً .. وسواء جاء هذا الخطر من جهة عدو داخلي .. كالحركات المرتدة الخارجة عن تعاليم وأحكام وعقيدة الإسلام .. أو كان عدواً خارجياً استهدف أمن وسلامة ـ ولو شبراً واحداً من ـ أرض الوطن الإسلامي الكبير!
 

فإن قيل : ما بال أمصار المسلمين في هذا الزمان التي يعلوها سلطان الكفر وأحكامه .. وما موقف المسلمين منها؟! 
أقول : وإن كانت هذه الديار من حيث التقسيم الفقهي تُعتبر دار حرب لعلو أحكام الكفر عليها .. إلا أنها تُعتبر من جهة أخرى دار إسلام مغتصبة قد سطت عليها قوى الكفر والردة والطغيان .. يجب تحريرها وإعادتها إلى حظيرة الإسلام وسلطانه وأحكامه .. مهما كلف ذلك من تضحيات .. وهو هدف جميع الحركات الجهادية المعاصرة .. وكل مسلم مخلص غيور على دين الله تعالى وحرماته .. وهو من أعظم الجهاد في سبيل الله تعالى .. وهو ما يُسمى في الفقه الإسلامي بجهاد دفع الصائل .. وحكمه واجب على جميع المسلمين كل بحسب استطاعته وموقعه وقربه من الدار المعتدى عليه.
 

هذه هي نظرة الإسلام للوطنية .. وهذا هو الوطن الإسلامي الذي تجب موالاته ونصرته والذود عنه.

فإن قيل : علام هذا الاهتمام الكبير في الذود عن حرمات أوطان المسلمين وأمصارهم ..؟!
 

أقول: لأن في ضياع حرمات الأوطان ضياع لجميع الحقوق والحرمات الأخرى كالدين والعرض والنفس والمال وغيرها . ومن لوازم الحفاظ على هذه الحرمات ـ الذي جاء الدين لحمايتها والحفاظ عليها ـ الحفاظ على حرمات الأوطان وأمنها وسلامتها .. فالأوطان هي المحاضن الآمنة لكل ما يتواجد عليها من أشياء .. من هنا جاء الإسلام ليؤكد على ضرورة حماية أوطان المسلمين من أي اعتداء خارجي كان أم داخلي .. والذود عنها بالغالي والنفيس .. وكيفما كانت صورة الاعتداء .. وكان أهله وأصحابه !
 

ـ وطنية مزيفة فاحذروها.
 

مما يؤخذ على الأنظمة الطاغية الحاكمة في زماننا ـ وفي أمصار المسلمين تحديداً ـ حصرهم لمعنى الوطنية وربطها بمصالح النظام الحاكم .. وتحديداً بالطاغوت الحاكم !
فعلى قدر موالاة المرء وإخلاصه للطاغوت الحاكم أو النظام الحاكم .. على قدر ما يكون إنساناً وطنياً .. ومحباً للوطن .. وعلى قدر ما يُعادي الطاغوت الحاكم أو النظام الذي يمثله .. على قدر ما يكون غير وطني .. وضد الوطن ومن أعداء الوطن ولربما بسبب ذلك يُحرم من جميع حقوقه المدنية والسياسية التي يُعطاها كل مواطن ينتمي لذلك القطر . فهم لأدنى معارضة أو اعتراض على سياستهم أو نظامهم وطغيانهم يسحبون منك الجنسية  ويحرمونك من أدنى حقوق المواطنة وكأن البلاد والعباد ملكاًً لذواتهم وعوائلهم وأحزابهم . وسرعان ما يرمونك بأنك عدو للوطن .. وللمصالح الوطنية العليا ..!
 

فهذه وطنية مزيفة وكاذبة .. فلا تصدقوهم .. ولا يصدنكم ذلك عن الصدع بالحق في وجوه هؤلاء الطواغيت الجاثمين على صدور الأوطان المعتدين على الحقوق والحرمات !!
 

ـ شبهة ورد.
 

لعل قائلاً يقول: كيف نوفق بين كون المرء لا يجوز له أن يضحي ويقتل في سبيل  الوطن وبين كون الدفاع عن أرض الإسلام وأوطان المسلمين واجب شرعي وفرض على المسلمين القيام به .. وكذلك كون المرء الذي يقتل دون ماله وعرضه ومظلمته فهو شهيد ..؟!
أقول: لا تعارض بين الأمرين؛ فهناك فرق بين أن يقاتل المرء دفاعاً عن شيء في سبيل الله وطاعة له عز وجل وبين أن يقاتل دفاعاًَ عن شيء في سبيل هذا الشيء وحمية لهذا الشيء ولذات هذا الشيء من دون أن يرد الأمر إلى الله تعالى فالأول هو الذي شرعه الإسلام وأمر به وعده من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى أما الثاني فهو باطل ويُعد من الشرك لأنه يتضمن صرف الأعمال لغير الله تعالى .
 

وعليه فإن قول المرء: نموت في سبيل الأوطان .. نضحي في سبيل الأوطان ونحوه من الألفاظ والإطلاقات الشائعة فهو تعبير خاطئ .. والصواب أن يقول: نقاتل ـ في سبيل الله ـ دفاعاً عن الأوطان .. نموت ـ في سبيل الله ـ دفاعاً وذوداً عن الأوطان والحرمات .. فهذا تعبير صحيح ولا حرج فيه إن شاء الله .
 

وكذلك هناك فرق بين حب الأوطان والحنين إليها وهو مشروع وبين أن يعقد الولاء والبراء على أساس الانتماء لهذه الأوطان وهذا لا يشرع لما يتضمن من إشراك الأوطان مع الله تعالى كما تقدم .

4 -  الولاء القومي: وهو الولاء الذي ينعقد على أساس الانتماء القومي .. والروابط القومية التي تقوم على عناصر وأسس وهي:( الجنس والتاريخ واللغة والمصالح المشتركة والأرض ( كالقومية العربية والقومية الفرنسية والقومية التركية .. ونحوها من القوميات المنتشرة في العالم ) .
 

وملاحظ أن هذا النوع من الولاء ـ كغيره من الروابط والولاءات التي تقدم الحديث عنها ـ يغيب عنصر الدين والعقيدة من جملة اعتباراته .. حيث لا فرق في نظر القومية والقوميين بين اليهودي والمجوسي والباطنيين الغلاة وغيرهم من ملل الكفر والشرك والإلحاد وبين المسلم الموحد ما دام كلاهما ينتميان إلى قومية واحدة ..! بل الكافر المشرك الملحد من أبناء القومية له من الحقوق والموالاة ما ليس لأتقى أهل الأرض من المسلمين الذي لا ينتمي لنفس هذه القومية ..!
 

فمثلاً العربي المشرك الملحد ـ من أي ملة كان ـ الذي ينتمي للقومية العربية له من الموالاة والحقوق ما ليس للمسلم الموحد الباكستاني الذي لا ينتمي إلى القومية العربية ..؟!!

فالقومية ـ بهذا المفهوم الشائع والمعمول به ـ هي كفر لأنها توجب ما حرم الله تعالى وتحرم ما أوجب. وهي من جملة الروابط الجاهلية التي حذر الإسلام منها أشد التحذير فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  الحجرات:13. قال ابن عباس: لا أرى أحداً يعمل بهذه الآية: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى.. فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك .. فليس أحد أكرم من أحدٍ إلا بتقوى الله .
 

وقال تعالى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ.مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ : القلم:35-36 .  وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إن الله قد أذهب عنكم عُبيَّة الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعنَّ رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن )[ أخرجه أحمد، وغيره، صحيح الجامع:1787].
 

وقال صلى الله عليه وسلم:( إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهَنِ أبيه ولا تكنوا ) [أخرجه أحمد والترمذي صحيح الجامع : 567 . قال ابن الأثير في النهاية: التعزي الانتماء والانتساب إلى القوم. فأعضوا بهن أبيه: أي قولوا عض أير أبيك ].

وقال صلى الله عليه وسلم:( من ادعى دعوى الجاهلية فإنه جثا جهنم ـ أي من جماعات جهنم ـ فقال رجل: يا رسول الله: وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام فادعوا بدعوى الله التي سماكم: المسلمين، المؤمنين عباد الله ) [صحيح الترغيب والترهيب:553].
 

وقال صلى الله عليه وسلم:( ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية ) [صحيح سنن النسائي:1756]. وكل دعوى غير دعوى الإسلام فهي دعوى جاهلية .. وكل آصرة أو رابطة تقوم على غير آصرة العقيدة والدين .. آصرة التقوى والعمل الصالح .. فهي آصرة جاهلية نتنة يجب نبذها والترفع عنها.
وقال صلى الله عليه وسلم:( إن أوليائي منكم المتقون مَن كانوا وحيث كانوا ) [أخرجه ابن أبي عاصم في ( السنة ) وصححه الشيخ ناصر في التخريج]. أي من أي جنسية أو قومية كانوا .. ومن أي مكانٍ كانوا .. وفي أي أرضٍ عاشوا .. فأحبهم لنبينا صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين هم المتقون الصالحون .. هذا هو ميزان الحق الذي لا يُحابي أحداً وما سواه فهو الباطل 


وقال صلى الله عليه وسلم:( لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ ولا لعجميٍّ على عربي ولا أبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب ) [أخرجه أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح]. نفي جاء بعده استثناء يُفيد قمة الحصر والقصر .. أي لا فضل لشيء على شيء .. ولا تفاضل بين الأشياء .. إلا .. بالتقوى!
فالحديث يلغي جميع صور التفضل القومية .. وغيرها من الصور والموازين الجاهلية السائدة بين بني البشر .. ليحصرها في صورة واحدة ألا وهي صورة التقوى والعمل الصالح .. وأيكم أحسن عملاً .

5 - انعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء للقبيلة أو العشيرة: حيث أن المعتبر في الولاء والبراء عند أبناء القبيلة أو العشيرة هو مجرد الانتماء إلى القبيلة ونظامها بغض النظر عن الدين والمعتقد فكل من كان ينتمي إلى القبيلة أو العشيرة ويقر بنظامها وعاداتها يجب أن يعطى من الولاء والنصرة ـ وإن كان كافراً ـ مالا يعطاه ابن قبيلة أو عشيرة أخرى وإن كان من خيرة المسلمين المؤمنين .


وبذلك تكون القبيلة ـ ونظامها ـ في نظر أبنائها إلهاً مطاعاً من دون الله تعالى فالذي توجبه القبيلة تطاع فيه وإن كان في الشرع محرماً والذي تنهى عنه القبيلة تطاع فيه وإن كان في الشرع واجباً وهذا عين الشرك والكفر كما قال تعالى:( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام: 121 أي إن أطعتموهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله إنكم مثلهم مشركون.
فمن لوازم هذا النوع من الولاء .. موالاة ونصرة ابن القبيلة لابن قبيلته في الحق والباطل .. وظالماً ومظلوماً .. لمجرد كونه ينتمي إلى قبيلته!
 

ومن صور الولاء المعهود عند بعض القبائل والعشائر تماجدهم وتفاخرهم بالأجداد والآباء بغض النظر عن استقامتهم وسلامة دينهم وهذا مما لا شك فيه أن الإسلام قد نهى عنه وحذر منه أشد التحذير. كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك؟! قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام فأوحى الله إلى موسى أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم في النار وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة ) [رواه أحمد، والنسائي، والطبراني، صحيح الجامع: 1492].
 


فمن كان منتسباً ومتفاخراً ولا بد فلينتسب إلى الإسلام وإلى من كان منتسباً إلى الإسلام. ورحم الله القائل: 
            أبي الإسلام لا أب لي سواه  إن افتخروا بقيس أو تميم
 
ـ تنبيه: القبيلة أو العشيرة التي تتعاهد فيما بينها على أن تنصر الحق أينما كان ولو كان في قبيلة أخرى وأن تعادي الباطل وإن كان صادراً عن أبناء قبيلتها وكذلك أن توالي المؤمن وإن كان من غير قبيلتها وتعادي الكافر الظالم وإن كان من أبناء قبيلتها وأن يكون الحكم الذي ترد إليه جميع النزاعات والخلافات هو الكتاب والسنة .. فهذه قبيلة محمود ولاؤها محمود نظامها وأبناؤها يندرجون تحت قوله تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) التوبة:71.

6 -  انعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء للسلطان أو الحاكم: وهو من أكثر أنواع الولاء شيوعاً في أمصار المسلمين .. وصورته أن يعقد المرء الولاء والطاعة للحاكم لذاته وفي معصية الله تعالى فينفذ أوامره بغض النظر عن موافقتها أو معارضتها لشرع الله تعالى .. فيكفي لكي ينفذ الأوامر كونها صادرة عنه .. مهما كانت مضاهية لشرع الله تعالى! وهذه الطاعة ـ لا شك ـ أنها طاعة شركية باطلة كما قال تعالى:(وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) الأنعام:121.
 

وقال صلى الله عليه وسلم:(من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه) [سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2324]. وقال:( طاعة الإمام حق على المرء المسلم ما لم يأمر بمعصية الله تعالى فإذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له) [أخرجه أحمد، وابن ماجه، السلسلة الصحيحة:2/139].
 

وقال صلى الله عليه وسلم:( سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها ) قال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال صلى الله عليه وسلم:(تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله) [السلسلة الصحيحة: 752].
 

ومن الصور .. موالاته في الحق والباطل فيوالونه وينصرونه مبطلاً ظالماً كما ينصرونه محقاً عادلاً فهم يوالونه لذاته وليس لدينه أو للحق الذي هو عليه.. وإنما لكونه فلان .. والرمز فلان !
 

ومنها موالاة من يواليه .. وإن كان كافراً مشركاً ومعاداة من يعاديه وإن كان مسلماً عدلاً يستحق الموالاة الشرعية .. فالولاء والبراء يعقدانه في ذات الحاكم وله .. وهؤلاء فيهم شبه جند التتار كما يقول عنهم ابن تيميه: من قاتل على دولة المغول عظموه وتركوه وإن كان كافراً عدواً لله ورسوله وكل من خرج عن دولة المغول أو عليها استحلوا قتاله وإن كان من خيار المسلمين .

وكذلك عامتهم لا يحرمون دماء المسلمين وأموالهم إلا أن ينهاهم عنها سلطانهم أي لا يلتزمون تركها وإذا نهاهم عنها أو عن غيرها أطاعوه لكونه سلطاناً لا بمجرد الدين [مجموع الفتاوى:28/ 504] ا- هـ.
 

ومن يتأمل حال الجيوش العربية المعاصرة .. يجد أنها لا يخرج وصفها عن وصف جند وجيش التتار .. وفي هؤلاء وأمثالهم يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم:(سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله) [رواه الطبراني، والحاكم، صحيح الجامع: 3666].
وذلك لأنهم وسيلة الطاغوت وأداته في ظلم العباد وإرهابهم وإذلالهم وأطرهم على عبودية الطاغوت .. ومن يتأمل واقع الأمة المعاصر يجد أن (بسطار) الجندي العربي وراء كل ذل وقهر أصاب ويصيب الأمة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

7 -  انعقاد الولاء والبراء على أساس الانتماء للإنسانية: هذا النوع من الولاء أوسع دائرة من غيره وهو أشمل لشرائح الناس على اختلاف جنسياتهم وأوطانهم وأديانهم  فهو ولاء من مقتضاه أن لا يفرق المرء بين الكافر والمؤمن ولا بين الفاجر الفاسق وبين المسلم التقي حيث أن الجميع في نظره يستحقون الموالاة لانتسابهم إلى الأصل البشري الإنساني وبغض النظر عن الدين والمعتقد أو أي اعتبار آخر!
 

وهذا (ولاء) معلوم من الدين بالضرورة بطلانه وفساده إذ لا فرق عند أدعيائه بين سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وبين رأس الكفر أبي جهل حيث كلاهما ينتسبان إلى الأصل البشري الإنساني وبالتالي فكلاهما يستحقان نفس القدر من الحب والموالاة .. والنصرة .. وهذا قول لا يقول به إلا كل كافر مارق لا يبالي على أي دين يموت .
 

ومن مزالق هذا (الولاء) أن أدعياءه يشركون الإنسانية مع الله تعالى في كل شيء يقومون به فإذا أحدهم أراد أن يقوم بأي عمل من الأعمال الخيرية فهو يقوم بها في سبيل الإنسانية فلو ضحى بشيء من ماله فهو يضحي في سبيل الإنسانية .. ولو قاتل فهو يقاتل في سبيل الإنسانية .. ولو قُتل فهو يُقتل في سبيل الإنسانية .. وهكذا كل شيء يقوم به فهو في سبيل الإنسانية المزعومة .. فالإنسانية ـ عند الإنسانيين ـ إله يعبد من دون الله تعالى .. يعقدون فيه الولاء والبراء !!

8 -  انعقاد الولاء والبراء على أساس المنفعة والمصالح المادية أو الذاتية: رغم أن هذا النوع من (الولاء والبراء) ليس له دعاة ومنظرين إلا أنه في واقع الحال الملموس والمشاهَد نجد كثيراً من الناس ـ بل والدول ـ يعقدون ولاءهم وبراءهم على أساسه فإذا تحققت المنفعة والمصلحة المادية تحققت الموالاة والمداهنة وحصلت الموافقة وإذا انعدمت المنفعة والمصلحة المادية انعدمت الموالاة وذلك بغض النظر عن الطرف الموالى هل يستحق الموالاة الشرعية أم أنه لا يستحقها .
 

فهو تارة يدور مع الدرهم والدينا ـ وأينما يجده ـ حيثما يدور .. فتراه لا يُبالي أن يُقتل في سبيل الطاغوت .. مقابل راتب زهيد من المال يُرمى  إليه!
وتارة يدور مع شهواته ونزواته .. فحيثما يجدها تجده .. وتراه يُعطي الموالاة والطاعة .. وإلى درجة التذلل! فلا يعرف منطقاً إلا منطق أنا .. ومصلحتي .. وشهواتي .. ونقودي وإن أدى ذلك إلى انتهاك مصالح العباد والبلاد ..!
 

وهؤلاء فيهم شبه بالمنافقين كما قال تعالى عنهم: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النساء:141. فالمهم بالنسبة لهم أن يحصلوا على الغنائم والمال وحتى لا يفوتهم ذلك فهم مذبذبين بين الطرفين لا إلى المؤمنين جملة ولا إلى الكفار جملة ولكن تارة هنا وتارة هناك بحسب ما تقتضيه المصلحة المادية الدنيوية كما قال تعالى عنهم : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) النساء:143.
 

وهذا كما يحصل على مستوى الأفراد .. فإنه يحصل كذلك على مستوى الدول والجماعات.. فكم هي الدول والجماعات التي نراها تتخلى عن الثوابت العامة . . والمبادئ الكلية .. والمواقف العقدية الأساسية .. مقابل مصالح موهومة ومقابل حفنة من الدولارات تُرمى إليهم من قبل قوى الكفر والطغيان العالميين  أو مقابل وعود تتضمن تثبيت الحاكم على عرشه وملكه .. وما أكثر الأمثلة على ذلك لو أردنا التوسع والاستدلال؟!!
 

وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في موافقة المشركين: (أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك إما طمع في رئاسة أو مال أو مشحة بوطن أو عيال أو خوف مما يحدث في المال فإنه في هذه الحال يكون مرتداً ولا تنفعه كراهته لهم في الباطن وهو ممن قال لهم فيهم) : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)  [مجموعة التوحيد:296] ا- هـ.
 

                 ـ براء الطائفة المنصورة 
            من كل ولاء وبراء ليس في الله ولله

كما تقدم فإن الطائفة الظاهرة المنصورة بريئة من كل ولاء وبراء لا يُعقد في الله ولله وهذه صفة لازمة لهم وهي من أخص خصائصهم وصفاتهم التي يعرفون بها كما قال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة:22 . أما الذين يوادون من حاد الله ورسوله لكونه ينتمي إلى قومهم أو عشيرتهم أو حزبهم وغير ذلك من الولاءات الجاهلية التي تُعقد على أساس الانتماء إلى الطين والماء .. فهم ليسوا  بمؤمنين فضلاً عن أن يكونوا من الطائفة المنصورة الظاهرة.
وكذلك قوله تعالى:(قدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) الممتحنة: 4. وغيرها كثير من الآيات والنصوص التي تدل على هذه الصفة اللازمة للطائفة الناجية المنصورة .
 

ـ تنبيه: اعلم أنه لا شيء من الإسلام يغيظ ملل الكفر والنفاق ..ويقلقهم ويحملهم على النقمة .. كعقيدة الولاء والبراء التي جاء بها الإسلام .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله ..! لا شيء يُخيفهم من دين المسلمين .. كما تُخيفهم عقيدة الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله ! فأيما إسلام يتخلى عن عقيدة الولاء والبراء .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله .. فهو إسلام مرضي عنه من قبل ملل الكفر وهو إسلام متحضر .. متحرر.. يمكن التعايش معه وبكل سرور وسهولة!
 

وأيما طائفة أو جماعة .. تتخلى عن عقيدة الولاء والبراء في الإسلام .. والجهاد في سبيل الله .. وتستثني من خطابها ومنهاجها عقيدَتي الولاء والبراء ..والجهاد في سبيل الله .. فهي جماعة تحظى بالقرب والقبول وبكل العطايا والامتيازات .. والحريات ..!
 

أظهر من شعائر الإسلام ما تشاء .. فلا حرج عليك في شيء من ذلك .. ولك كامل الحق والحرية .. لكن إياك ثم إياك أن تتكلم أو تحيي في الأمة عقيدتي الولاء والبراء في الإسلام .. والجهاد في سبيل الله!
لك كامل الحق في أن تصلي على سفنهم الحربية .. وأن تلبس العمامة الإسلامية .. وأن تُرخي لحيتك لو شئت .. وأن تصوم رمضان .. وهم على كامل الاستعداد أن يُحضروا لك الطعام المعد على الطريقة الإسلامية .. لكن بشرط أن تعطيهم الولاء .. وتتخلى عن عقيدة الجهاد في سبيل الله ..!!
لك كامل الحق والحرية .. أن تصلي على سفنهم الحربية .. شريطة أن لا تقول لهم : لا .. عندما تطلق سفنهم الصواريخ العابرة للقارات لتقتل شيوخ ونساء وأطفال المسلمين .. وتهدم على الآمنين منهم منازلهم!!
يقدمون لك الطعام المذبوح على الطريقة الإسلامية .. والمغلف بعبارة ذبح حلال .. شريطة أن لا تقول لهم .. لا .. عندما يذبحون أخاك المسلم!!
 

الإسلام المتحضر .. المتفتح .. المعتدل .. الأمريكي .. يعنون به: الإسلام الذي يتخلى عن عقيدتي الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله!!
يسمعون منك كل شيء إلا حديث الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله لا يمكن أن يسمعوه ..!
يكفي لكي تُرمى بالتشدد .. والتعصب .. والإرهاب .. والتطرف ـ إلى آخر مفردات الناقمين على الإسلام ـ أن تُظهر أو تتكلم عن عقيدة الولاء والبراء في الإسلام .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله !!
 

لو تأملت حملات الكيد والتحريف .. والتشويه التي تعرض لها الإسلام عبر تاريخه كله .. من قبل ملل الكفر والنفاق .. لن تجد شيئاً من الدين تعرض لتلك الحملات البغيضة كما تعرضت له عقيدة الولاء والبراء في الإسلام .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله ..؟!!
عندما يتكلمون عن ضرورة تعديل ومراقبة مناهج الدراسة التي تُدرس لأبناء المسلمين .. يستهدفون بذلك تحديداً عقيدتي الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله وكل ما له صلة بهاتين العقيدتين لتبقى الأمة بلا عقيدة .. ولا ولاء ولا براء
 

هذه النقمة المعلنة على الإرهاب .. زعموا! .. ما هي في حقيقتها إلا نقمة على عقيدة الولاء والبراء .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله!
لذلك تراهم يُصرحون بكل وقاحة .. وعلى لسان كبيرهم .. إما أن تكونوا معنا أو تكونوا علينا .. ولا يوجد خيار وسط .. وإذا لم تكن معنا .. فأنت إرهابي .. وأنت المستهدف من حربنا هذه التي نخوضها ضد الإرهاب ..!
لماذا كل ذلك .. لماذا ينقمون من ديننا وعقيدتنا .. عقيدَتي الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله .. وكأنه ليس من حقنا أن نوالي من نشاء .. ونعادي من نشاء وفق ما تمليه علينا عقيدتنا السمحاء ..؟!!
 

لماذا من حق الجميع أن يُجاهدوا ويُقاتلوا .. ويُجيشوا الجيوش والعساكر .. انتصاراً لأهوائهم وأطماعهم ومخططاتهم .. وليس من حقنا كمسلمين الجهاد والقتال من أجل حماية حقوقنا وثوابتنا وحرماتنا .. والكليات العامة التي جاء من أجلها ديننا الحنيف ..؟!
لماذا قتال غيرنا ـ وفي الباطل .. وفي سبيل الشيطان ـ يُعد حقاً وتحضراً .. وواجباً .. بينما نحن مجرد التفكير بالجهاد للذود عن الحقوق والحرمات المغتصبة يُعد جريمة نكراء .. وإرهاباً يجب أن يُطارد ويُحارب ..؟!
لماذا كل ذلك ..؟!
 

والجواب : لتضعف المقاومة .. ويموت في الأمة جهاز المناعة .. فيسهل عليهم غزو البلاد والعباد .. وقبل ذلك غزو العقول والمبادئ والأفكار ..!
ليسهل عليهم التعايش بأمانٍ مع الحق المعتدى عليه .. من دون منغصات أو أدنى اعتراضات .. حتى لا يُقال لهم .. لا .. وهم يُمارسون عملية الهدم والتخريب في حق البلاد والعباد ..!!
 

حتى لا يُقال لهم .. لا .. وهم يذبحون في الأمة عقيدتها وأخلاقها وقيمها .. ويهدمون آخر حصنٍ من حصونها!
حتى لا يُقال لهم .. لا .. وهم يُمارسون عملية النهب والسلب لخيرات الأمة .. لتصب في بنوكهم وجيوبهم!
 

ولأن تغييب عقيدة الولاء والبراء في الإسلام .. وعقيدة الجهاد في سبيل الله .. عن ساحة الشعور والاعتقاد .. وواقع الحياة .. يضمن لهم العيش مع أموات لا حراك لهم إلا فيما يُشبع غرائزهم وشهواتهم .. كالأنعام بل أضل!
وهل فكرة عملية السلام مع لصوص الصهاينة اليهود .. المعتدين المحتلين للبلاد والعباد .. وفكرة التعايش معهم بأمان .. والرضى بالفُتات اليسير مما اغتُصب .. نالت شيئاً من القبول عند الأمة .. إلا بعد تغييب عقيدَتي الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله .. من ساحة الشعور والوجدان .. بل والاعتقاد ؟!
 

تأمّل التاريخ كله .. تجد ما من خرق أصاب ويُصيب الأمة .. إلا وتجده من جهة التخلي عن عقيدة الولاء والبراء .. والجهاد في سبيل الله ..!
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )! فكيف إذا ضموا إلى ترك الجهاد .. ترك عقيدة الولاء والبراء .. فإنه يكون حينئذٍ ذل مركب يعلو بعضه بعضا .. بل قل هو الكفر والمروق من الدين والعياذ بالله!
 

وإلى هؤلاء الواهمين .. الذين يريدون أن يعيشوا الإسلام بعيداً عن عقيدة الولاء والبراء كما جاء بها الإسلام .. ومن دون أن يعيشوا عقيدة الجهاد في سبيل الله .. ويتحملوا شيئاً من تبعاته .. ثم يحسبون أنفسهم على شيء أو أنهم يُحسنون صنعاً .. نقول لهم وبكل وضوح مشفقين ومحذرين وناصحين: أنتم لستم على شيء .. وإن تسميتم زوراً بالمسلمين .. وبأسماء إسلامية .. وانتسبتم لبلاد المسلمين! .. لا ولاء ولا براء .. ولا جهاد في سبيل الله .. فبمَ تدخلون الجنة ..؟!
راجعوا دينكم .. واقرأوا كتاب الله من جديد . واسألوا الله تعالى الهداية والتوفيق
 

لذلك نجد ملل الكفر والزندقة والنفاق قد حرصوا ـ ولا يزالون ـ جاهدين على استبدال عقيدة الولاء والبراء في الإسلام بولاءات جاهلية نتنة ما انزل الله بها من سلطان لا تزيد المسلمين إلا فرقة وضعفاً ووهناً على وهن ـ قد تقدم ذكر بعضها ـ  لتصرفهم عن دينهم .. وعن عقيدة الولاء والبراء كما جاء بها الإسلام وقد نجحوا ـ وللأسف ـ إلى حدٍّ كبير في تحقيق مهمتهم هذه .. وهم لا يتورعون ـ في سبيل ذلك ـ أن يسلكوا كل مسلك وطريق ممكن من أجل تحقيق هدفهم هذا .. ومن لم يأت معهم بالترغيب والإغواء .. والشراء .. جاءوا  به عن طريق الترهيب والتهديد .. ولا ينجو إلا من نجاه الله وثبته [علماً أن ملل الكفر كلها وبخاصة منهم اليهود والنصارى يعقدون الولاء والبراء على أساس ديني طائفي وإن تظاهروا بخلاف ذلك فإن الحقد الصليبي اليهودي يظهر بوضوح في كل موقف يتخذه الغرب الصليبي تجاه أي قضية تخص المسلمين في العالم ومن يتأمل ما جرى ويجرى على الساحة من أحداث يدرك حقيقة ذلك .. وما جرى من قبل في البوسنة والهرسك ويجري اليوم في فلسطين وفي أفغانستان والشيشان وكشمير .. وغيرها من البلدان التي يضطهد فيها المسلمون .. وما أكثرها لو أردنا الإحصاء والاستقصاء .. كل ذلك شاهد صادق يدل على مدى النزعة الدينية الحاقدة عند اليهود والنصارى .. والتي ينطلقون من خلالها في محاربتهم للإسلام والمسلمين .. وهم كما قال تعالى فيهم:(وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا). وقال تعالى:( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ) وقال تعالى) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) فالحذر الحذر يا عبد الله .. يا مسلم .. أن تؤتى من جهة دينك وأنت تعلم أو لا تعلم .. فتهلك!]! 
 

ولله در الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ إذ يقول:( فالله الله يا إخواني تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره وأسه ورأسه شهادة أن لا إله إلا الله واعرفوا معناها وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال: ما علي منهم أو قال: ما كلفني الله بهم فقد كذب هذا على الله وافترى فقد كلفه الله بهم وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأولادهم فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين) [مجموعة التوحيد ص 111].

                  كلمات مختارة لسيد قطب 
               رحمه الله ـ في الولاء والبراء
 

قبل أن نختم الحديث عن صفة الولاء والبراء كما تتحلى بها الطائفة المنصورة وننتقل إلى الصفة التي تليها .. آثرنا أن نخط هذه الكلمات المختارة من الظلال لسيد قطب رحمه الله .. حيث يقول :

( إنه لا يجتمع في قلبٍ واحد حقيقة الإيمان بالله وموالاة أعدائه الذين يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيتولون ويُعرضون ومن ثم جاء هذا التحذير الشديد وهذا التقرير الحاسم بخروج المسلم من إسلامه إذا هو والى من لا يرتضي أن يحكم كتاب الله في الحياة سواء كانت الموالاة بمودة القلب أو بنصره أو باستنصاره (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ) آل عمران:28 . 
 

هكذا ليس من الله في شيء لا في صلة ولا نسبة ولا دين ولا عقيدة ولا رابطة ولا ولاية فهو بعيد عن الله منقطع الصلة تماماً ..!

وأول خطوة في الطريق هي تميز الداعية وشعوره بالانعزال التام عـن
الجاهلية تصوراً ومنهجاً وعملاً  الانعزال الذي لا يسمح بالالتقاء في منتصف الطريق والانفصال الذي يستحيل معه التعاون إلا إذا انتقل أهل الجاهلية من جاهليتهم بكليتهم إلى الإسلام .


لا ترقيع ولا أنصاف حلول ولا التقاء في منتصف الطريق مهما تزيت الجاهلية بزي الإسلام أو ادعت هذا العنوان.


وتميز هذه الصورة في شعور الداعية هو حجر الأساس شعوره بأنه شيء آخر غير هؤلاء لهم دينهم وله دينه لهم طريقهم وله طريق لا يملك أن يُسايرهم خطوة واحدة في طريقهم ووظيفته أن يسيرهم في طريقه هو بلا مداهنة ولا نزول عن قليل من دينه أو كثير وإلا فهي البراءة الكاملة والمفاصلة التامة والحسم الصريح .. لكم دينكم ولي دين .


إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم .. وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة أن نظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين أمام الكفار والملحدين إذا كانت المعركة مع المسلمين ..!


فليس هناك جبهة تديّن يقف معها الإسلام في وجه الإلحاد هناك دين هو الإسلام وهناك لا دين هو غير الإسلام ثم يكون هذا اللادين عقيدة أصلها سماوي ولكنها محرفة أو عقيدة أصلها وثني باقية على وثنيتها أو إلحاد ينكر الأديان تختلف فيما بينها كلها .. ولكنها تختلف كلها مع الإسلام ولا حلف بينها وبين الإسلام ولا ولاء ..!


إن الإسلام يكلف المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعاً على أساس العقيدة فالولاء والعداء لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا في العقيدة ومن ثم لا يمكن أن يقوم الولاء وهو التناصر بين المسلم وغير المسلم إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة ولا حتى أمام الإلحاد مثلاً ـ كما يتصور بعض السذج منا وبعض من لا يقرأون القرآن ـ وكيف يتناصران وليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه ..؟!


فالذين يحملون راية هذه العقيدة لا يكونون مؤمنين بها أصـلاً ولا يكونون في ذواتهم شيئاً ولا يحققون في واقع الأرض أمراً ما لم تتم في نفوسهم المفاصلة الكاملة بينهم وبين سائر المعسكرات التي لا ترفع رايتهم ..!


لقد نزل القرآن ليبث الوعد اللازم للمسلم في المعركة التي يخوضها بعقيدته ولينشئ تلك المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من لا ينتمي إلى الجماعة المسلمة ولا يقف تحت رايتها المفاصلة التي لا تنهي السماحة الخلقية فهذه صفة المسلم دائماً ولكنها تنهي الولاء الذي لا يكون في قلب المسلم إلا إلى الله ورسوله والذين آمنوا .. الوعي والمفاصلة اللذان لا بد منهما للمسلم في كل أرض وفي كل جيل .


فهذا مفرق الطريق وما يمكن أن يتميع حس المسلم في المفاصلة الكاملة بينه وبين كل من ينهج غير منهج الإسلام وبينه وبين كل من لا يرفع راية الإسلام ثم يكون في وسعه بعد ذلك أن يعمل عملاً ذا قيمة في الحركة الإسلامية الضخمة التي تستهدف أول ما تستهدف إقامة نظام واقعي في الأرض فريد يختلف عن كل الأنظمة الأخرى ..


وتنقسم البشرية إلى حزبين اثنين: حزب الله وحزب الشيطان. وإلى رايتين اثنتين: راية الحق وراية الباطل. فإما أن يكون الفرد من حزب الله فهو واقف تحت راية الحق وإما أن يكون من حزب الشيطان فهو واقف تحت راية الباطل وهما صنفان متمايزان لا يختلطان ولا يتميعان ولا نسب ولا صهر ولا أهل ولا قرابة ولا وطن ولا جنس ولا عصبية ولا قومية إنما هي العقيدة والعقيدة وحدها ..!


وينهى الله عز وجل المؤمن أن يجعل ناساً هم دونه في الحقيقة والمنهج موضع ثقة واستشارة ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة ولكننا لا نفيق ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم .. ومع ذلك نعود فنفتح لهم صدورنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق .. وتبلغ بنا المجاملة أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين ..!


ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله ومن هنا نُذل ونضعف ونستخذى ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا وهاهو ذا كتاب الله يعلمنا كما علم الجماعة المسلمة الأولى كي ننفي كيدهم وندفع أذاهم وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران:118.    إنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب: أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض  إلا بأن تنفصل هذه العصبة عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها ..!
 

فإذا لم تفاصل هذه المفاصلة ولم تتميز هذا التميز حق عليها وعيد الله هذا : وهو أن تظل شيعة من الشيع في المجتمع شيعة تتلبس بغيرها من الشيع ولا تتبين نفسها ولا يتبينها الناس ممن حولها وعندئذٍ يصيبها ذلك العذاب المقيم المديد دون أن يدركها فتح الله الموعود .

إن موقف التميز والمفاصلة قد يكلف العصبة المسلمة تضحيات ومشقات غير أن هذه التضحيات والمشقات لن تكون أشد ولا أكبر من الآلام والعذاب الذي يصيبها نتيجة التباس موقفها وعدم تميزها ونتيجة اندفاعها وتميعها في قومها والمجتمع الجاهلي من حولها ..!


ليس للّون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم ويُعرف به فضل الناس: إن أكرمكم عند الله أتقاكم  والكريم حقاً هو الكريم عند الله وهو يزنكم عن علمٍ وعن خبرة بالقيم والموازين: إن الله عليم خبير 
 

وهكذا تسقط جميع الفوارق وتسقط جميع القيم ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان .

وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون: ألوهية الله للجميع وخلقهم من أصل واحد كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته  لواء التقوى في ظل الله وهذا هو اللواء الذي رفعه الإسلام لينقذ البشرية من عقابيل العصبية للجنس والعصبية للأرض والعصبية للقبيلة والعصبية للبيت وكلها من الجاهلية وإليها تتزيا شتى الأزياء وتتسمى بشتى الأسماء وكلها جاهلية عارية عن الإسلام ) ا- هـ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis