الصفة السادسة من صفات الطائفة المنصورة





العلم
     
منقول عن الشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة
من الخصائص الهامة للطائفة المنصورة كذلك ( العلم ) وأنهم علماء في أمور دينهم ومعاشهم إذ من لوازم صفاتهم الأخرى الآنفة الذكر أن يكونوا علماء .. وهذا لا يعني أن جميع أفراد الطائفة المنصورة علماء ومبرزون في طلب العلم وتحصيله وهم على درجة واحدة من العلم والتحصيل إلا أن صفهم لا يجوز أن يخلو من العلماء الربانيين العاملين والذي يقرر ذلك أن الطائفة المنصورة من صفاتهم ـ كما تقدم ـ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقاتلون في سبيل الله تعالى وأن الدين قائم وظاهر بهم وأنهم أهل عدل وتوسط .. وأهل إتباع واقتداء .. وهذه مهام لا يمكن أن ينهض بها إلا العلماء العاملون أو من يتوفر لديهم قسط لا بأس به من العلم الشرعي .. وإلا فإن جاهل الشيء كفاقده لا يمكن أن يُعطيه .

قال تعالى :(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) : آل عمران:104.


قال الضحاك في تفسير(الأمة):(هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء)[ تفسير ابن كثير:1/398].


قال القرطبي في التفسير: معناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء وليس كل الناس علماء[4/165].
وكذلك قوله تعالى:(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل عمران:146. وهذه صفة الطائفة المقاتلة المنصورة قال الحسن:( ربيون) هم العلماء الصُّبُر [تفسير القرطبي:4/230].


فدل أن الطائفة المنصورة إذا لم يكونوا كلهم علماء لا بد أن يتخلل صفوفهم العلماء العاملون.


قال ابن تيميه: والقيام بالواجبات من الدعوة الواجبة وغيرها يحتاج إلى شروط يقام بها كما جاء في الحديث:( ينبغي لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به فقيهاً فيما ينهى عنه رفيقاً فيما يأمر به رفيقاً فيما ينهى عنه حليماً فيما يأمر به حليماً فيما ينهى عنه) .


 فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهى فإنه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك [الفتاوى:15/ 167] .


والقصد من بيان هذه الصفة للطائفة المنصورة أن يدرك القارئ أن من اهتمامات الطائفة المنصورة طلب العلم وتحصيله وبخاصة العلم المتعلق بشهادة التوحيد (لا إله إلا الله) ومتطلباتها ونواقضها أفضل وأشرف العلوم على الإطلاق وهو أول ما ينبغي الابتداء به تعلماً وتعليماً .


كما قال تعالى:(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه) محمد: 19  والعلم بـ ( لا إله إلا الله) يكون بفقه معناها ومعرفة لوازمها ونواقضها فيأتي باللوازم والشروط اعتقاداً وقولاً وعملاً وينتهي عن النواقض ويكفر بها كما قال تعالى:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) النحل:36 . 

وقال) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَام) البقرة:256.

وفي صحيح مسلم:(من وحد الله تعالى وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى). وفي رواية:(من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله). 


مفهوم الحديث أن من وحد الله تعالى أو قال لا إله إلا الله لكنه لم يكفر بما يعبد من دون الله لا يحرم ماله ودمه [ لا يعني ذلك أنه بقوله:(لا إله إلا الله) لا يدخل الإسلام وأن الشهادة لا تنفعه حتى يأتي بلوازمها وشروطها فالأمر ليس كذلك فإن شهادة التوحيد تدخل صاحبها الإسلام وهي تنفعه وتحميه وتصون حرماته .. إلا أنه إذا أتى بعد ذلك بناقض للإيمان ـ من غير عذر شرعي معتبر ـ يكون قد أتى بالشيء وضده في آن واحد وبالتالي فإن شهادة التوحيد هنا لا تنفعه ولا تحفظه إلا إذا استدرك على نفسه فتاب وأقلع عن الناقضة التي كانت سبباً في خروجه من دائرة الإسلام والمسألة أوفيناها بحثاً واستدلالاً في كتابنا ( قواعد في التكفير) وكذلك كتاب( شروط لا إله إلا الله) ]. 

ومن الأدلة كذلك  على أولوية هذا العلم العظيم ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذ لما أرسله إلى اليمن:(إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله ـ وفي رواية:لا إله إلا الله ـ فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض خمس صلوات في يومهم وليلتهم ..) .


وعن جندب بن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً [صحيح سنن ابن ماجة:170] .


منه يعلم خطأ من يزهد بهذا العلم العظيم ويجعله في آخر أولوياته واهتماماته وتراه يؤثر أن يكون على إيمان العجائز بدلاً من أن يجتهد في أن يكون على إيمان الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .


كذلك مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. والجهاد في سبيل الله فهذا كله يقتضي منهم الاهتمام بطلب العلم وتحصيله ليقوموا بالمهام والواجبات الشرعية الملقاة على عاتقهم على أفضل وأتم وجه.


خلاصة القول:أن من خصائص الطائفة المنصورة العلم وبخاصة منه العلم بالتوحيد الذي يعني بمجموعه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. فإنه إن يكن يحتمل على أفراد الطائفة المنصورة الجهل ببعض مسائل الدين إلا أنه لا يمكن أن نتصور أحداً منهم يجهل( لا إله إلا الله ) ومدلولاتها وشروطها .. ثم بعد ذلك نشير إليه بأنه من الطائفة المنصورة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis