الصفة السابعة من صفات الطائفة المنصورة


   
      
الصبر والثبات

منقول عن الشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة

   للمهام العظام الملقاة على كاهل الطائفة المنصورة فهي طائفة مبتلاة .. فهي والبلاء قرينان لا يفترقان .. فإذا ذُكرت الطائفة المنصورة ذُكر البلاء .. وذُكرت الآلام والجراحات ..!

ومن لوازم البلاء والاحتساب .. الصبر والثبات على الحق مهما تكاثرت سهام الباطل واشتدت عليهم ..!


بلاء من غير صبر ولا ثبات ولا احتساب .. يتبعه تسخط ونكوص .. يكون نقمة على صاحبه في الدنيا والآخرة .. وهو بلاء غير محمود .. وهو علامة على شقاء وضعف إيمان صاحبه .. و الطائفة المنصورة أبعد الخلق عن هذا الخُلقِ المذموم ..!


طائفة منصورة من دون بلاء .. ولا جراحات .. ولا أشلاء .. ولا آلام  ولا دماء .. ولا صبر ولا ثبات .. لن تكون هي الطائفة المنصورة المرضية التي خصها النبي صلى الله عليه وسلم بكوكبة عظيمة من الأحاديث ..!


كم أضحكني ذاك المغرور الذي يكثر من تسمية نفسه (بالسلفي الأثري) المقرب من قصور الطواغيت الظالمين .. والذي لا يُعرف عنه قط أنه ابتلي يوماً في الله .. عندما قال لي وبكل وقاحة ـ مزكياً نفسه ومن على شاكلته : نحن الطائفة المنصورة .. إذا لم نكن نحن .. فمن هم ..؟!!


هراء .. أضغاث أحلام .. تلبيس إبليس .. لو كانوا يعلمون !! 


الطائفة المنصورة .. هم الطليعة في كل ميدان من ميادين الخير والعطاء .. عُرفوا بالجهاد والقتال .. والصدع بالحق .. والظهور على من ناوأهم وخالفهم .. لا يهابون في الله لومة لائم .. وهذه خصال لا يمكن أن تتأتى إلا مع البلاء .. والصبر والثبات على الحق مهما كانت التضحيات كما قال تعالى:( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) المؤمنون : 111.


وقال تعالى :( أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ) القصص:54.


وقال تعالى : ( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) الإنسان:12.


وقال تعالى :( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ( البقرة:155.


وقد أثنى الله تعالى على الصبر والصابرين وعلى الذين يتواصون بالصبر فقال تعالى:(وَالْعَصْرِ.إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر:6.
وقال تعالى :( وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ ) الأحزاب :35 .


وقال تعالى :(وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين)  آل عمران:146.


وقال تعالى :(وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)  البقرة:249. ومن كان الله معه فلا ضيعة عليه .. ولا خوف عليه.


وفي السُنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا) .


ولما اشتد البلاء على الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ وهم في مكة شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة ما يلاقونه من أذى الأعداء وسألوه أن يستنصر لهم ويدعو لهم فقال صلى الله عليه وسلم مصبراً إياهم:( قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه  ولكنكم تستعجلون ) متفق عليه.


 والشاهد مما تقدم أن الذي يتطلع لأن يكون من الطائفة المنصورة .. وإلى النصر والفتح والتمكين .. لا بد له من التحلي بالصبر والثبات على الحق وعلى تحمل تبعات هذا الثبات مهما اشتدت ضراوة هذا التبعات وكانت حجم التكاليف ..!

الطائفة المنصورة هم ورثة الأنبياء .. ودعوة الأنبياء لها أعداء .. ولا بد لمن يرث دعوة الأنبياء من أن يتصدى لأعداء الأنبياء وأن يُعادى من قبل أعداء الأنبياء .. فانظر إلى ورقة بن نوفل عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم:( لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي) البخاري .


فمن كان من ورثة الأنبياء .. ويسير على منهج الأنبياء لا بد من أن يتعرض لما تعرض له الأنبياء من عداء ملل الباطل كلها [ كثير هم الذين يفهمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(العلماء ورثة الأنبياء) فهماً خاطئاً .. حيث تراهم يحصرون الحديث في وراثة العلم . وحفظ المتون .. من دون مراعاة للعمل .. والحق أن العلماء ورثة الأنبياء في العلم والعمل .. ورثة الأنبياء في الجهاد والتضحية والصدع بالحق .. والصبر على البلاء .. ورثة الأنبياء في الخشية والتقوى .. ورثة الأنبياء في أخلاقهم وكل ما يصدر عنهم من مواقف وأعمال .. فهذا هو الوارث الحقيقي .. وهكذا ينبغي أن يُفهم الحديث .. وعلى هذا المعنى والتفسير ينبغي أن يُحمل ].


أما من أراد أن يسير على منهج الأنبياء .. ويكون صادقاً وموفقاً في مسيره .. ثم هو مع ذلك لا يريد أن يُبتلى أو أن يكون له أعداء .. فهذا يحلم بالمستحيل .. وهو مثله مثل من أراد أن يجمع بين الشيء وضده معا !


وكذلك لما أراد أهل المدينة مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية .. أستوقفهم سعد بن زرارة رضى الله عنه ليذكرهم خطورة ما هم قادمين عليه فقال:( رويداً يا أهل يثرب إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله)[ رواه أحمد والبيهقي ]. 


هذه هي حجم التبعات والتكاليف: مفارقة للقوم ـ إن كانوا على الضلالة والكفر ـ وقتل وتشريد لخيار الدعاة .. وتكالب سيوف أمم الكفر على أهل الحق والإيمان .. فمن كان من ورثة الأنبياء بحق وأراد المسير على طريق الأنبياء .. لا بد له من أن يروض نفسه  على تحمل تبعات الدعوة إلى الله .. وتبعات المسير على منهاج وخطى النبي صلى الله عليه وسلم .. ويتوقع من الأعداء المزيد من الكيد والمكر .. وأجره على الله.


عجيب أن سعد بن زرارة ومن معه يعرفون كل ذلك في الأيام الأولى من إسلامهم .. وقبل أن يمضوا بيعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم .. بينما دكاترة زماننا .. وكثير غيرهم ممن يتشبعون بالعلم .. الذين يدرسون العلوم الشرعية السنوات الطوال في الجامعات .. وعلى يد المشايخ .. تراهم في شكٍّ من ذلك .. ويجادلون عليه .. بل وأكثرهم لا يعرفه !!
قال الله تعالى :( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) البقرة:217.  ولكن: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) النساء:104. قتلانا في الجنة .. وقتلاهم في النار .. والله مولانا .. ولا مولى لهم .


وفي السُنة فقد صح أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني أحبك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه) [رواه ابن حبان، السلسلة الصحيحة:1586] . أي خذ حذرك واستعداداتك في تقبل البلاء .. إن كنت صادقاً فيما تقول .. فللمحبة برهان .. وبرهانها البلاء والصبر على البلاء .. وإلا ما أسهل أن يدعي المحبة كل امرئٍ ..؟!


وأكثر الناس حباً لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم أكثرهم بلاء في الله .. وأكثرهم إتباعا لمنهاجه وسنته وسيرته وتخلقاً بأخلاقه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه ) آل عمران:31.


وقال صلى الله عليه وسلم:( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [رواه الترمذي وغيره، السلسلة الصحيحة : 143].


وقال صلى الله عليه وسلم:(أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون وإن كان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء) [رواه ابن ماجة وغيره، السلسلة الصحيحة:144].


وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه:(ما أوذي أحد ما أوذيت في الله عز وجل ) [السلسلة الصحيحة:2222]. 


وقال صلى الله عليه وسلم:(كما يضاعف لنا الأجر، كذلك يضاعف علينا البلاء) [السلسلة الصحيحة:2047].


وقال صلى الله عليه وسلم:(إن الصالحين يُشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حُطت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة) [أخرجه الطبراني وغيره، السلسلة الصحيحة:1610].


وقال صلى الله عليه وسلم:(إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط) [رواه الترمذي وابن ماجه، السلسلة الصحيحة: 146].


ومن قصة أصحاب الأخدود أن الطاغية لما رأى الناس قد آمنوا بالله رب العالمين وحصل ما كان يخشاه ويكرهه (أمر بالأخدود بأفواه السكك فخُدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له: اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق)  مسلم.


أما الذين يعبدون الله على حرف فيجعلون فتنة الناس كعذاب الله فينقلبون على أعقابهم متسخطين ومنفرين لأدنى بلاء ينزل بساحتهم .. ويكثرون من الولولة وقولهم لو كان لما كان كذا .. هؤلاء لا يحسبون أنفسهم على خير أو أنهم على هدى ..!


فيهم وفي أمثالهم يقول تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج : 11 


  وفي الحديث عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً هكذا أمامه فقال:(هذا سبيل الله عز وجل) وخط خطاً عن يمينه وخط خطأ عن شماله وقال:(هذه سبل الشيطان) ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية:-  (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [رواه ابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر:"16].


وقال تعالى :(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) فصلت:30. قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة [ الفتاوى : 28/32 ].


ومن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من استمر في دعوته السنين الطوال فما آمن معه إلا قليل من الناس كما قال تعالى عن نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه ما يزيد عن تسعمائة عام فكانت النتيجة كما قال تعالى:(وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيل) هود : 40 .


بل إن من الأنبياء من لا يؤمن به إلا الرجل الواحد كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد) [رواه مسلم، صحيح الجامع:1458].


لكن كل ذلك لم يكن يجعلهم يستعجلون النصر على الله تعالى أو يحيدون عن صراط الله المستقيم ويطلبون السبل الملتوية الخاطئة أملاً في استجلاب الناس إلى دعوتهم [عن معاذ بن جبل قال: تكون فتنة يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير فيقرأه الرجل سراً فلا يُتبع فيقول: ما اتبع فوالله لأقرأنه علانية فيقرأه علانية فلا يُتبع فيتخذ مسجداً ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإياكم وإياه فإنها بدعة ضلالة ثلاثاً.


 وفي رواية: فيوشك أن يقول قائل: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة. رواه ابن أبي وضاح بسنده في كتابه(البدع والنهي عنها)] حاشاهم .. بل كانوا المثل الأعلى في الوقوف عند الحق لا يتجاوزونه إلى غيره مهما كانت النتائج .. وعظمت التضحيات .. وكانوا دعاة إلى الله تعالى وإلى عبادته وتوحيده .. واجتناب كل ما يُعبد سواه كما أمرهم الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ النحل:36. هذه هي مهمتهم الأساسية ومهمة الدعاة العاملين من بعدهم إلى يوم القيامة وهي إخراج العباد من عبادة الطاغوت

[ قال ابن تيميه في الفتاوى 28/200، في معنى(الطاغوت): الطاغوت فعلوت من الطغيان والطغيان مجاوزة الحد وهو الظلم والبغي. فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارهاً لذلك طاغوت ولهذه سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال:(ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت) والمطاع في معصية الله والمطاع في إتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت وسمى فرعون وعاداً طغاة ا ـ هـ .

  وقال ابن القيم في الأعلام 1/50: الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم عدلوا من عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى الرسول إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ا ـ هـ . ]
 

الدعوة إلى عبادة الله تعالى وحده. 
 
هذه القضية ـ قضية من المعبود بحق ـ هي قضية القضايا التي لا تعلوها قضية .. التي يجب أن ينهض لها العلماء العاملين بكل جد وإخلاص .. لا يلتفتون عنها إلى غيرها قبل أن يفرغوا منها .. وقبل أن يُعطوا الإجابة الصادقة عليها من الناس كل الناس ..!


هذه القضية الهامة التي لم تكن تقبل المساومة عند سلفنا الصالح .. والتي كان على أساسها يُعقد الولاء والبراء ولأجلها تُسل السيوف وتُجيش الجيوش ويُعقد السلم والحرب .. إلا أنه وجد في زماننا كثير ممن يُسمون بالدعاة .. قد فرطوا بها وتجاوزوها إلى غيرها من المهام والمسائل قبل أن تحسم مع الطواغيت الظالمين وقبل أن يتفقوا معهم على قضية من المعبود بحق في الوجود .. ورضوا بالفتات اليسير الذي يُرمى إليهم ..فباركوه وحسنوه واستكثروه في أعين الناس .. وعدوه فتحاً ونصراً للدعوة ما بعده من نصر .


[ ذُكر أمام أحد هؤلاء الخواص المعروفين بنشاطهم في مجال الدعوة .. ما يلاقيه المسلمون من معاناة وأذى من قبل بعض الأنظمة العلمانية الطاغية الكافرة فقال مستنكراً على المسلمين وليس على الطغاة: ألم يسمحوا لنا بأن نصلي؟ قيل له: نعم، قال: ألم يسمحوا لنا أن نصوم؟ قيل له: أي نعم قال: ألم يسمحوا لنا أن نحجب نساءنا ..؟! إذاً علام نستثيرهم علينا بمعاداتهم والتبرؤ منهم ومن معبوداتهم .. فنضطرهم إلى أن يحرموننا من الصلاة والصيام وتحجيب النساء .. وهذا الخير الذي نحن عليه؟!  


وأذكر أنني قلت للشيخ يومها: أليست الدعوة إلى عبادة الله وحده والكفر بالطاغوت هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؟ فأجاب: أن نعم. فقلت له: من المعبود في زماننا ـ عند شريحة كبيرة من الناس ـ الله أم الطاغوت؟ من المطاع لذاته الله أم الطاغوت؟ من الذي يُشرع للعباد الله أم الطاغوت؟ من الذي يُعقد عليه الولاء والبراء، الله أم الطاغوت؟ من الذي يُحب لذاته الله أم الطاغوت؟ ممن يتلقى الناس قيمهم وقوانينهم ودساتيرهم من الله أم الطاغوت؟ إلى من يرد النزاع والخلاف بين الناس، إلى الله أم إلى الطاغوت ..؟؟!


فإذا كان الجواب الطاغوت ـ وهو كذلك  ـ أدركت يا شيخنا أن أكثر الناس في زماننا قد عدلوا عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت ..!


ثم لو كان دين الله مجرد صلاة وصيام وشعائر تعبدية تصرف لله تعالى وما سوى ذلك يصرف للطاغوت وهو من نصيبه لو كان الأمر كذلك لما حصل هذا الصراع والتدافع بين الحق وأهله من جهة وبين الباطل وأهله من جهة أخرى عبر التاريخ الإنساني وإلى أيامنا هذه وإلى أن تقوم الساعة وسيرة الأنبياء والمرسلين مع طواغيت زمانهم هي خير دليل على حقيقة هذا الصراع والتدافع الذي لولاه لما عبد الله في الأرض كما قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة:251 . وقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُالحج:40.


أما البراءة من الشرك وأهله ومناصبتهم العداوة والبغضاء أبداً حتى يؤمنوا بالله وحده فلنا في إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة كما قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه : الممتحنة:4. 


وقال تعالى :  أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ.أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِين : الشعراء : 77. 

وقال تعالى : وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ الزخرف:27 . 

وقال تعالى : أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ الأنبياء:67 . هذه هي ملة إبراهيم التي أُمرنا بإتباعها كما قال تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : آل عمران:95 . ولا يرغب عن ملة إبراهيم إلا السفيه ومن أراد لنفسه السفاهة والخسران كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَه البقرة:130.  ] ..!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

AddThis