الشمولية
منقول عن الشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة
نعني بهذه الصفة أن الطائفة المنصورة من صفاتهم أنهم يأخذون الإسلام أخذاً شمولياً من دون تفريط في جانب من جوانبه أو اهتمام بجانب دون آخر مع مراعاتهم لفقه الأولويات والموازنات وما ينبغي أن يُقدم أو يؤخر بحسب ما تقتضيه المصالح الشرعية وتقديم الأهم على المهم عند تزاحم المهام في وقت واحد من دون استهانة بالمهم أو تفريط به .
فهم ليسوا جماعة يقوم منهاجهم ويتركز نشاطهم على عنصر الدعوة والتبليغ أو الوعظ والإرشاد فقط ..!
وهم ليسوا جماعة يقوم منهاجهم وتتركز اهتماماتهم على الجهاد وحسب ..!
وهم كذلك ليسوا جماعة يقوم منهاجهم على طلب العلم والفقه من دون الاكتراث ببقية جوانب الدين .. أو الاكتراث بالجوانب العملية لهذا الدين!
وهم كذلك ليسوا جماعة يقوم منهاجهم على الإكثار من العبادات والذكر والاهتمام بتهذيب النفوس وتربيتها وحسب ..!
وهم كذلك ليسوا جماعة يقوم جل منهاجهم ونشاطهم على الاهتمام بالواقع وشؤون السياسة منشغلين بذلك عن بقية جوانب الدين الأخرى ..!
فهم لا يُعرفون براية أو علامة دون أخرى وإنما هم جماعة تجتمع فيهم جميع عناصر الخير ومعانيه من دون تجزئة للدين أو فصل بعضه عن بعض .. ولو نظرت إليهم ترى فيهم الإسلام بشموليته .. وتمامه وكماله .
فهم من جهة دعاة إلى الحق يقومون بمهمة الدعوة والتبليغ على أحسن وجه وعلى أساس من العلم والفقه والحكمة والموعظة الحسنة ..
ومن جهة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويجاهدون في سبيل الله لا يخشون في الله لومة لائم ..
ومن جهة تراهم حريصين على طلب العلم والفقه فهم إما علماء أو طلاب علم .. وهم مع ذلك يهتمون بواقع وشؤون أمتهم وما يحاك ضدها من مؤامرات تستهدف الإسلام والمسلمين .. فيعرفون سبيل المجرمين ومذاهبهم الهدامة .. أكثر من المجرمين ذاتهم!
كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) : الأنعام:55. .. فمن غايات تفصيل الآيات أن يستبين سبيل المجرمين .. ليتم اعتزاله واجتنابه والحذر منه .
وهم بعد ذلك لا يفوتهم أن يهتموا بالجانب التربوي لأنفسهم ولغيرهم بالوسائل المشروعة الثابتة في الكتاب والسنة فهم رهبان في الليل فرسان في النهار ..!
وهذه خصال جميعها تصب في منهاج عملي واحد متكامل متماسك من دون تفريق أو فصل فيما بينها أو تقليل لشيء من أهميتها .. فتراهم يؤدون كل عبادة في وقتها ومكانها المناسبين.
قال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) جميع ما آتاكم به من عند ربه وليس بعضه دون بعض (وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر: 7. أي جميع ما نهاكم عنه.
ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت:( كان خُلُقه القرآن) القرآن كله .. بجميع تعاليمه وأوامره ونواهيه .ولم تقل كان خلقه سورة البقرة أو التوبة أو الأنفال من القرآن ..!
والمؤمنون لهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب:21. فهم يتأسون بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع جوانب حياتهم التعبدية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهادية .. وتراهم في جميع أقوالهم وأفعالهم وتقلباتهم وأحوالهم يتوخون سنة النبي صلى الله عليه وسلم ـ قدر المستطاع ـ ليقتدوا بها ويلتزموها .. فهم أهل أتباع لا ابتداع .
وهؤلاء هم الذين أثنى الله تعالى عليهم بقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف: 157.
وقال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) النساء 69
وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) آل عمران:31.
أما الذين يبعّضون الدين فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أو يلتزمون ببعض الدين ويتركون بعضه الآخر ـ كالعلمانيين الذين يفصلون الدين عن الدولة وشئون الحياة ـ أولئك يصدق فيهم قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة:85 .
وقوله تعالى: (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) النساء: 151.
وقوله تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) المائدة:14
وهذا مثل ضرب للمسلمين أي أنكم إذا فعلتم فعل النصارى فنسيتم حظاً من الدين والتوحيد وعملتم ببعض الدين وتركتم بعضه الآخر فإنه سيصيبكم ما أصابهم من التفرق والتنازع والعداوة والبغضاء ..!
وما أصاب المسلمين في هذا الزمان من خزي وفرقة وهوان ما هو إلا بسبب أنهم نسوا حظاً من الدين والتوحيد فعملوا ببعض الدين وأهملوا أو تركوا بعضه الآخر ..!
وغالباً ما يعود انشغال المسلمين [ ليس المراد بالمسلمين هنا العلمانيين الذين يفصلون الدين عن الدولة والحياة فهؤلاء إذ يكفرون ببعض الكتاب يكفرون كفراً عقدياً وعن جحود وكبر وعناد .. ومثل هؤلاء لا شك في كفرهم وخروجهم من الدين] ببعض الدين دون البعض الآخر إلى سببين هما :
أولاً : وجود المدارس الفقهية المعاصرة التي تقوم ـ بقصد أو غير قصد ـ على تكريس مفهوم فصل الدين بعضه عن بعض والاهتمام ببعضه دون بعض مما يعكس ذلك سلباً على فكر وسلوك وحياة المسلمين وبخاصة منهم طلبة العلم !
فمثلاً هناك مدرسة تهتم بجانب الدعوة والتبليغ وتبالغ بأهمية هذا الجانب، مما يحدوا بها إلى إهمال بقية جوانب الدين .. وإذا ما ذكِّر أتباع هذه المدرسة بهذه الجوانب المهملة سرعان ما يقللون لك من أهميتها وكأنها ليست من الدين!
وهناك مدرسة تهتم بجانب( التربية الروحية ) وتبالغ في أهمية هذا الجانب ـ وفي كثير من الأحيان بصورة خاطئة ـ على حساب بقية جوانب الدين مما يجعل أتباع هذه المدرسة يظنون أن الدين كله يدور حول هذا الجانب فيقعون في التفريط والتقصير ـ عن عمد أو غير عمد ـ ببقية جوانب الدين الأخرى ..!
وهناك مدرسة تهتم بالدعوة إلى العلم والانشغال به ـ تحقيقاً وتخريجاً وحفظاً ـ وتبالغ في ذلك، حتى تجدها تقع في الترف العلمي النظري المجرد عن معايشة واقع الأمة ومشاكلها وآلامها مما يجعل أتباع هذه المدرسة يقعون في المحظور المشار إليه وهو الاهتمام ببعض الدين دون بعض .
وهناك مدرسة تقوم على مبدأ ( الجهاد والقتال ) والاهتمام به وتبالغ في ذلك مما يجعلها تقع في المحظور والتفريط في بقية جوانب الدين الأخرى التي تعتبر بحق من لوازم الجهاد وشروط نجاحه وقبوله ..!
وهناك من يدندنون حول العقيدة وأهميتها وإذا نظرت ماذا يقصد من دندنته ودعوته لوجدته يقصد توحيداً دون توحيد فهو إما يقصد توحيد الربوبية متجاهلاً توحيد الله في ألوهيته وأسمائه وصفاته وإما يقصد توحيد الربوبية والألوهية معاً متجاهلاً توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته مقللاً من أهمية هذا النوع من التوحيد وإما أنه منشغل ـ بحكم التربية وكثافة المناهج التي يعتكف على دراستها ـ بتوحيد الأسماء والصفات والرد على المعارضين والمخالفين من القدامى والمعاصرين عن توحيد العبودية والألوهية مع ما يقتضي هذا النوع من اهتمام وتركيز .. وهو لو أراد أن يتكلم عن توحيد الألوهية والعبودية تراه يقصد جانباً دون جوانب فإما تراه يقصد توحيد الله تعالى في العبادات الشعائرية أو جانب التنسك أو جانب الاستغاثة والدعاء والتوكل متجاهلاً توحيده عز وجل في الحكم والتشريع والطاعة والإتباع والولاء والبراء..!
وهو كذلك لو أراد أن يعري الشرك ويحذر منه تراه يطنب في تعرية شرك القبور والبدع والشعوذة بينما يتغاضى ـ بحكم التربية التي تربى عليها وطريقة التلقي التي نشأ عليها ـ عن شرك (القصور) ونعني به شرك الحكم والتشريع وشرك الطاعة والإتباع وشرك الولاء والبراء .. هذا إذا لم يكن هو ذاته واقعاً في هذا الجانب من الشرك وهو يعلم أو لا يعلم ..!
وهذا كله ـ كما تقدم ـ مغاير لمنهج الطائفة المنصورة التي تأخذ الإسلام أخذاً شمولياً من دون إفراط أو تفريط في أي جانب من جوانبه.
ثانياً : وهو السبب الثاني الذي يحمل بعض الناس على الاهتمام ببعض الدين دون بعض .. ويكمن في تلبيس إبليس على كثير من المسلمين حيث يصرفهم عن الأهم بالمهم وعن الواجب إلى المندوب وعن العمل بمجموع جوانب الدين إلى العمل بجزئية من جزئياته والوقوف عندها الزمن الطويل ولربما يقضي أحدهم عمره معتكفاً على هذه الجزئية من دون أن يتحول عنها إلى جزئية أو جانب آخر من جوانب الدين فيقع في المحظور المشار إليه ـ عن قصد أو غير ـ وهو العمل ببعض الدين دون بعض والاهتمام بجوانب منه دون جوانب.
فترى أحدهم يزين له الشيطان ـ على سبيل المثال ـ الاهتمام بالشعر والأدب فيغوص في قراءته ودراسته الزمن الطويل ولربما يقضي عمره كله وهو منشغل بذلك وبالمقابل قد تجده لا يفقه معنى (لا إله إلا الله) وما هي شروطها ومتطلباتها وما هي نواقضها .
وكذلك يكون قد انشغل بالشعر عن قراءة القرءان الكريم وتدبر آياته وكذلك كتب السنة والحديث وغيرها من العلوم النافعة الضرورية التي تعلو الشعر أهمية ونفعاً وكفاه في ذلك خسارة وضياعاً لطاقاته وعمره .. ومثل هذا لو أراد أن يشارك في أي نشاط أو عطاء فكري ثقافي تراه يعكس بيئته الفكرية والثقافية التي اكتسبها من خلال دراسته .. فالإناء ينضح ما فيه .. فيؤذي نفسه وغيره .
ومن تلبيس إبليس أيضاً أن يشغل المرء في مسألة من المسائل الدينية مضيعاً وقته وعمره فيها وعلى حساب بقية مسائل الدين الأخرى حتى أنه يعرف بها وتعرف به وكم من داعية تراه يدندن حول مسألة معينة أو شعار معين لا يتجاوزه إلى غيره إلى أن يحمل إلى قبره فيفاجأ حينئذٍ بما قدم لنفسه!
قال ابن القيم رحمه الله في صفة أهل العبودية المطلقة: العلامة الثانية قوله: (ولم ينسبوا إلى اسم) أي لم يشتهروا باسم يعرفون به الناس من الأسماء التي صارت أعلاماً لأهل الطريق وأيضاً فإنهم لم يتقيدوا بعمل واحد يجري عليهم اسمه فيعرفون به دون غيره من الأعمال فإن هذا آفة في العبودية وهي عبودية مقيدة وأما العبودية المطلقة: فلا يعرف صاحبها باسم معين من معاني أسمائها فإنه مجيب لداعيها على اختلاف أنواعها فله مع كل أهل عبودية نصيب يضرب معهم بسهم فلا يتقيد برسم ولا إشارة ولا اسم ولا بزي ولا طريق وضعي اصطلاحي بل إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول وعن طريقه؟ قال: الإتباع وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى وعن مذهبه ؟ قال: تحكيم السنة .. وعن مقصوده ومطلبه؟ قال: يريدون وجهه. وعن رباطه وعن خانكاه؟ قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وعن نسبه ؟ قال :
أبي الإسلامُ لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
وعن مأكله ومشربه؟ قال: (مالك ولها ؟ معها حذاؤها و سقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى تلقى ربها) [ إشارة إلى جواب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن لقطة الإبل ].
واحسرتاه تَقضَّى العمرُ وانصرمَت ساعاتُه بين ذلك العجزِ والكسل
والقومُ قد أخذوا درب النجاة وقد ساروا إلى المطلَب الأعلى على مَهْل
إلى أن قال: فإن الآفات كلها تحت الرسوم والتقيد بها ولزوم الطرق الاصطلاحية والأوضاع المتداولة الحادثة وهذه هي التي قطعت أكثر الخلق عن الله وهم لا يشعرون وقد سئل بعض الأئمة عن السنة ؟ فقال: ما لا اسم له سوى السنة يعني : أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها .
فمن الناس من يتقيد بلباس لا يلبس غيره أو بالجلوس في مكان لا يجلس في غيره أو مشية لا يمشي غيرها أو بزي وهيئة لا يخرج عنهما أو عبادة معينة لا يتعبد بغيرها وإن كانت أعلى منها أو شيخ معين لا يلتفت إلى غيره وإن كان أقرب إلى الله ورسوله منه فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الأعلى مصدودون عنه قد قيدتم العوائد والرسوم والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة فأضحوا عنها بمعزل ومنزلتهم منها أبعد منزل فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة وتفريغ القلب ويعد العلم قاطعاً له عن الطريق فإذا ذكر له الموالاة في الله والمعاداة فيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عد ذلك فضولاً وشراً وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك أخرجوا من بينهم وعدوه غَيْراً عليهم فهؤلاء أبعد الناس عن الله[ مدارج السالكين:3/ 174و 176]ا ـ هـ.
ـ تنبيه : يوجد بعض من ينتسبون إلى الدعوة والدعاة يهملون المهم والمندوب متسترين بالانشغال بالأهم والواجب .. وإذا ذكّرت أحدهم بنافلة من النوافل سرعان ما ينكر عليك اهتمامك بالفرعيات ويدعوك للاشتغال بالأهم والواجبات ..!! وهذا أيضاً من تلبيسات إبليس على من يقعون في شباكه وشراكه .. فإن عمر رضى الله عنه وهو على فراش الموت ينازع .. حيث الحاجة ماسة لكلمات يوصي بهن الأمة .. ومع ذلك لم يتردد في أن يأمر زائره وعائده بأن يرفع ثوبه .فإنه أتقى لله .. وأنقى للثوب!
ولكن الذي يمكن قوله هنا: أن الاهتمام والانشغال بالأهم وبالواجبات لا يستلزم تفويت المهم والمندوبات إلا إذا تزاحم الأهم والمهم أو الواجب والمندوب في وقت واحد وكان لا بد من اختيار أحدهما وتقديمه على الآخر فحينئذٍ يقتضي الفقه أن تقدم الأهم والأوكد على المهم والمندوب .. وهذا العلم الهام يجده القارئ في كتب الفقه والأصول التي تناولت فقه الأولويات والموازنات وفقه الضرورات .. فليُراجع .
ـ فقه الواقع: ما كنا نود أن نتكلم عن هذه المسألة ونفردها تحت عنوان مستقل لولا أن لمسنا في الآونة الأخيرة وجود نفر من المسلمين يقللون من أهمية فقه الواقع وأهمية الانشغال به .. حيث قالوا بعدم وجوبه على العلماء وطلبة العلم فضلاً أن يكون واجباً على سواهم من العامة ومنهم من بالغ في التقليل من أهميته حتى عدوا الاشتغال به ضرباً من الترف والعبث وتضييعاً للوقت في غير فائدة أو جدوى تذكر .. ومنهم من صرح على الملأ ـ متباهياً بذلك ـ بأنه لا يقرأ جريدة ، ولا يسمع إلى الأخبار ، لانشغاله بطلب العلم ..!
والذي يزيد الأمر سوءاً أن بعضاً من هؤلاء ينسبون قولهم هذا إلى السلف الصالح والمنهج السلفي .. حتى بلغ الأمر ببعضهم أنهم يعتبرون من يهتم بفقه الواقع أو يقول بوجوبه وضرورته .. ليس سلفياً وهو على غير منهج السلف!!
لذا رأيت من الواجب ما دام حديثنا عن الطائفة المنصورة وصفاتها وخصائصها أن أجيب عن هذه الشبهة مبيناً وجه الحق في المسألة الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح.
وقبل أن نشرع في بيان حكم الاشتغال بهذا النوع من الفقه وبيان الواجب منه وما هو دون ذلك .. لا بد أولاً من أن نثبت شرعية هذا الفقه وأهميته .. وبيان مدى الحاجة إليه.
ـ شرعية فقه الواقع وأهميته: مشروعية فقه المسلمين لواقعهم وما يجري حولهم من وقائع وأحداث وما يحاك وينفذ ضدهم من مؤامرات أمر دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وسيرة سلفنا الصالح .
قال تعالى : (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الأنعام:55.
قال ابن كثير: أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل[تفسير ابن كثير:2/ 141]. لنعرفها .. فنعتزلها .. ونحذرها .. ونُحذِّر منها .. إذ جاهل الشيء من السهل أن يقع في شباك وشراك هذا الشيء .. وهو يحسب أنه يُحسن صنعاً !
ثم أن الشيء يُعرف بضده .. فبقدر ما تُعرف قباحة الباطل وآثاره المدمرة بقدر ما تُعرف قيمة الحق .. وقيمة آثاره النافعة .
يقول سيد قطب رحمه الله: إن هذا المنهج لا يعنى ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب. إنما يعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين أيضاً إن استبانة سبيل المجرمين ضرورية لاستبانة سبيل المؤمنين .
إن سفور الكفر والشر والإجرام ضروري لوضوح الإيمان والخير والصلاح واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الرباني للآيات. ذلك أن أي غبش أو شبهة في موقف المجرمين وفي سبيلهم ترتد غبشاً وشبهة في موقف المؤمنين وفي سبيلهم .. ومن هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين[في ظلال القرآن: 2/ 1105- 1107].
والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تفضح سبيل المجرمين من المنافقين واليهود والنصارى والمشركين من عبدة الأوثان وغيرهم وتبين حقيقة أمرهم وما يضمرونه للإسلام والمسلمين من شر وضغينة حتى أن في القرآن لسورة اسمها (الفاضحة) [هي سورة التوبة] لكثرة الآيات فيها التي تفضح المنافقين وتبين حقيقة أمرهم وخبايا نفوسهم الإجرامية .. وهذا كله يعتبر من فقه الواقع وداخل فيه.
وأما السنة فقد دلت دلالة صريحة على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الجانب من العلم : فها نحن نراه صلى الله عليه وسلم يوجه المستضعفين من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة دون غيرها .. وهذا برهان ساطع على معرفته صلى الله عليه وسلم بما يدور حوله وأحوال الملوك والأمم المعاصرة له .
لماذا لم يرسل الصحابة إلى فارس أو الروم أو غيرهم .. ولماذا اختار الحبشة لهم ..؟!
يبين ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله : (إن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد ). مما يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم له دراية تامة بسيرة وصفات وأحوال ملك الحبشة .. ومدى قدرته على حماية أصحابه.
تصور لو كان اختيار الحبشة غير صائب كم كانت التكاليف ستكون شاقة ومكلفة ..؟!
وها نحن نرى المرحلية في الدعوة ملائمة للواقع الذي تعيشه ونجده صلى الله عليه وسلم يختار المدينة مكاناً لهجرته ويتعامل مع جميع الأطراف الموجودة فيها وحولها بأسلوب يناسب أحوالها وعندما أرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له : (إنك تأتي قوماً أهل كتاب) وهذا من إدراكه صلى الله عليه وسلم واقع كل بلد وما يحتاج إليه ولذلك قال له : (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) .
وكذلك نلمس عمق هذا العلم في غزواته ورسائله إلى الأمم والملوك والقبائل.
وكذلك يبرز هذا الجانب في استقباله للوفود وتعامله معهم وإنزاله للناس
ومنازلهم [بتصرف عن كتاب (فقه الواقع ) للشيخ ناصر بن سليمان العمر وهو كتاب جيد ننصح بقراءته]. حتى أن أحدهم كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اسم أبيه[الضمير هنا عائد إلى السائل] وكان صلى الله عليه وسلم يجيبه ..!
وكذلك مما يدل على أهمية فقه الواقع وشرعيته الأحاديث النبوية التي تدل على أن المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والقلق والحمى وأن المؤمن يألم لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد .. مهما تباعدت بينهم الأقطار والمسافات أو اختلفت جنسياتهم ولغاتهم .. وهذا المطلب الشرعي الديني كيف يمكن تحقيقه وتجسيده عملياً في واقع وحياة المسلمين من دون اهتمامهم بفقه الواقع ومعرفة ما يجري لإخوانهم المسلمين في إطراف المعمورة ..؟!
كم هو مؤلم أن تحصل مجزرة لإخواننا المسلمين في الصين أو الهند .. ثم بعد خمس سنوات من حصول المجزرة نسمع بها .. فنفوت بذلك علينا واجب النصرة والذود عن الحرمات ..!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد) [أخرجه أحمد، صحيح الجامع: 6659].
وقال صلى الله عليه وسلم : (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم : (المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله)[ رواه أحمد ومسلم، صحيح الجامع : 6668]. أي إن اشتكى مسلم مظلمة نزلت به ضج له المسلمون جميعاً في أرجاء المعمورة غضباً وانتصاراً له ولا يهدأ لهم بال ولا تطمئن لهم نفس حتى ينتصروا له من ظالمه وينصفوه .
ومثل هذا الشعور المتماسك المتضامن كيف يتم تحقيقه من دون الاهتمام بفقه الواقع الذي منه معرفة ما يجري للمسلمين وما يحاك ضدهم من مؤامرات ومجازر .. وما أكثرها في هذه الأيام ؟!
وكم هم المسلمون ـ في واقعنا المعاصر ـ الذين تنتهك حرماتهم ومقدساتهم .. وبقية إخوانهم في العالم الإسلامي لا يدرون عنهم شيئاً وإن كانوا يدرون لا يحركون ساكناً بحجة أن الاشتغال بفقه الواقع ليس واجباً عليهم وليس من اختصاصهم ..!!
أما الأدلة التي تدل على اهتمام سلفنا الصالح بفقه الواقع فهي أكثر من أن تحصر في هذه الأوراق ولعل من أبرزها اهتمام الصحابة بالحرب التي كانت بين الروم والفرس حيث كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم من عبدة النار واقرب إلى الوثنية وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب [انظر تفسير ابن كثير] وأهل الكتاب مهما اشتد انحرافهم وكفرهم فهم أقل كفراً من عبدة الأوثان والنيران وقد بلغ اهتمام الصحابة بالحرب الدائرة بين فارس والروم مبلغاً جعل أبا بكر رضى الله عنه يراهن ـ وكان لم يحرم بعد ـ مشركي قريش على أن النصر سيكون حليف الروم في بضع سنين كما قال تعالى: (الم . غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بنصر اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) الروم:5. وهذا انشغال من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالواقع وما يدور حولهم من أحداث ..!
ومن يتأمل سيرة سلفنا الصالح رضوان الله عليهم مع الفِرق الضالة التي كانت تظهر في زمانهم وردهم على شبهاتهم ومعتقداتهم وبيان زيغهم وضلالهم يدرك مدى اهتمام سلفنا الصالح بالواقع وأنهم أعرف الناس بهذا النوع من العلم لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بمقاصد الدين التي جاء للحفاظ عليها.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (ما أنا بالخب ولا الخب يخدعني) فالمسلم كيِّس فطن لا يلدغ من جحر مرتين وهذا لا يتأتى له إلا إذا كان فقيها بواقعه مدركاً لحقيقة ما يجري حوله.
ـ حكمه: بعد أن بينا شرعية فقه الواقع وأهميته لا بد أن نبين حكمه هل يدخل طلبه في الأمور الواجبة أم في الأمور المندوبة ..؟
وللجواب على ذلك نقول: التفقه بفقه الواقع منه ما يكون واجباً،ومنه ما يكون مندوباً ومنه ما يكون مباحاً ومنه ما يكون إثماً وحراماً .
1 - ما يعتبر طلبه واجباً: وهو كل ما يتعلق بالعقيدة ويكون طلبه شرطاً لسلامة العقيدة والتوحيد كمعرفة أنواع الشرك المستحدثة السائدة بين الناس والآلهة المزعومة التي تعبد في زماننا من دون الله تعالى وهذا النوع من العلم واجب على الخصوص والعوام من المسلمين لأنهم من دونه قد يقعون في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى وهم لا يدرون وقد يقعون كذلك في موالاة الطاغوت ومناصرته ظناً منهم أنهم يوالون مسلماً يستحق الموالاة والنصرة وخطر كهذا لاشك أن دفعه واجب وهذا يتأتى إلا بالعلم بحقيقة الطواغيت التي تعبد من دون الله وبالجوانب الشركية والكفرية التي تمارس من جهتهم وإلا كيف يتم الكفر بالطواغيت والمرء يجهلها .. ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما أن هذا النوع من العلم الضروري يدخل في أولويات معنى قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه محمد:19. وقوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ النحل:36. واجتناب الطاغوت لا يتم إلا بعد معرفته ومعرفة صفاته وأنواعه .
ونتيجة إهمال كثير من المسلمين لهذا الجانب من العلم نجد بعضهم ـ ومنهم من يعتبر من الخواص ـ يقعون في الشرك وهم لا يدرون ولو سألتهم لأجابوك أنهم على العقيدة السليمة والتوحيد الكامل الذي لا يشوبه أدنى شرك بل لا يتورعون أن يقولون لك: نحن الطائفة المنصورة !!
ولا أدل على ذلك من مناداة بعض خواص المسلمين فضلاً عن عامتهم بالديمقراطية التي تشرك الشعب مع الله وتجعل منه نداً لله تعالى في التشريع وسن القوانين وفي أخص خصائص الألوهية .. ومطالبتهم بالنظام الديمقراطي الحر الذي يكفل الحريات على إطلاقها [انظر كتابنا(حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية) فقد تناولنا بالتفصيل المزالق العقدية والشرعية المترتبة عن هذا الدين الجديد].
وهم كذلك من قبل نادوا بالاشتراكية والقومية العلمانية والوطنية الوثنية ـ التي تقوم على مبدأ أن الدين لله والوطن للجميع وهذا يعني أن الله تعالى لا دخل له في شؤون الوطن والمواطنين !! ـ وغيرها من الأوثان التي تعبد من دون الله تعالى والتي لا تزال إلى أيامنا هذه يوجد من يدعو لها ويعقد الولاء والبراء على أساسها .. ويعمل على نشرها بين العباد .. وهو بعد كل ذلك يحسب أنه من المسلمين .. وأنه ممن يُحسنون صنعاً!!
ومما يدخل أيضاً ـ من فقه الواقع ـ في حكم الوجوب ما يكون معرفته سبباً للقيام بالواجب للقاعدة التي تقول: (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب) كواجب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً والذود عمن تنتهك حرماته منهم فهذا واجب لا يتم إلا إذا سبقه اهتمام بمعرفة ما يجري للمسلمين وما يحاك ضدهم من مؤامرات ومظالم .. ومجازر وانتهاكات !
وفي السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) متفق عليه. أي لا يسلمه للظلم والقهر والعذاب .. وهو قادر على نجدته وإغاثته !
وقال صلى الله عليه وسلم:(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فقال رجل: يا رسول الله انصره مظلوماً فكيف أنصره ظالماً ؟ قال:( تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه) متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم :(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) [رواه أحمد، والترمذي، وصحيح الجامع: 6262].
وقال صلى الله عليه وسلم :(من حمى مؤمناً من منافق بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم) [صحيح سنن أبي داود: 4086].
وقال صلى الله عليه وسلم :(المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته[أي معاشه والمراد:أنه يمنع عن أخيه تلف معاشه وسبب رزقه] ويحوطه[أي يحفظه في أهله ونفسه وماله عند غيابه] من ورائه) [صحيح سنن أبي داود: 4110].
وقال صلى الله عليه وسلم :(ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن يُنتقض فيه عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) [ رواه أحمد، وأبو داود، صحيح الجامع: 5690]. وغيرها كثير من الأدلة التي تدل على وجوب انتصار المسلم لأخيه المسلم والذود عنه وعن حرماته.
والسؤال الذي يفرض نفسه:كيف نحيي هذا الواجب إذا كنا نجهل واقع المسلمين وما يحاك ضدهم من مظالم ومؤامرات ونعتبر الاهتمام بأخبارهم وأحوالهم ضرب من العبث وتضييع الوقت ..؟!
وهناك مسائل عديدة من فقه الواقع تدخل في حكم الواجب منها ما يكون واجباً على الخاصة والعاملة سواء ومنها ما يكون واجباً على الخاصة دون العامة ومنها ما يكون واجباً على جميع أفراد الأمة فإذا قام به البعض وتحققت بهم الكفاية سقط حكم الوجوب عن البعض الآخر. ولو أردنا أن نستقصي ونتناول جميع المسائل التي تدخل في هذه التقسيمات على وجه التفصيل لتشعب بنا الحديث ولخرجنا عن موضوع البحث والغرض منه وهو بيان (صفة الطائفة المنصورة التي يجب تكثير سوادها) .
2 - ما يعتبر طلبه مندوباً: وهو كل ما يتعلق بالعلوم الدنيوية النافعة كالعلوم العسكرية والعلوم الاقتصادية والصناعية وغيرها بعدما تحقق الكفاية فيها أما في حال انعدام الكفاية: تدخل هذه العلوم في حكم الواجب إلى حين تحقق الكفاية في الأمة .. والله تعالى أعلم .
3 - ما يعتبر طلبه إثماً وحراماً: وهو كل ما يفرزه الواقع من أمور محرمة أو تكون وسيلة إلى الحرام أو يكون إثم الاشتغال به يعلو عن حسناته .. وهي أكثر من أن تحصر في هذا البحث .. وبخاصة في زماننا هذا الذي كثرت فيه وسائل وألاعيب الشياطين التي لا تزيد المرء إلا بعداً عن الله تعالى وعن دينه .. ولا شك أن اشتغال المرء بمثل هذه الأمور ـ وإن كانت من الواقع ـ يدخله في الإثم والمحظور إلا إذا كان الاطلاع عليها على نية تعريتها وتحذير الأمة من خطرها فهذا أمر محمود إلا أنه يكون أيضاً بالقدر الذي يسمح به الشرع حتى لا يقع المرء في حبال إبليس وتلبيساته .
أما المباح منه: فهو كل ما سوى ما تقدم فكل ما خرج عن حكم الوجوب والمندوب والمحرم .. يندرج تحت حكم المباح .. والأمثلة عليه كثيرة كذلك!
خلاصة القول: أن فقه الواقع منه ما يكون واجباً ومنه ما يكون مندوباً ومنه ما يكون مباحاً ومنه ما يكون إثماً وحراماً .. وفق التفصيل المتقدم .. وبالتالي فمن الخطأ أن نشير إلى فقه الواقع بأنه واجب مطلقاً أو أنه غير واجب مطلقاً .. والحق الذي نعتقده حقاً وصواباً هو التفصيل في المسألة .. والله تعالى أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق