المسألة الأولى
منقول عن الشيخ عبدالمنعم مصطفى حليمة
الجواب: الحمد لله رب العالمين. قد كثر كلام الإخوان حول هذه المسألة .. وبخاصة أن بعض الباحثين قد خاضوا ـ لغاية في نفوسهم ـ في المسألة بغير علم فأفتوا .. فضلوا وأضلوا .. لذا يتعين الجواب على هذه المسألة بشيء من التفصيل والله المستعان.
فأقول: كل فرد من الطائفة الظاهرة المنصورة هو من الفرقة الناجية ولا يستلزم أن يكون كل واحد من الفرقة الناجية هو من الطائفة الظاهرة المنصورة .. والذي يقرر ذلك أمران :
أولاً : النصوص الشرعية التي تدل على هذا الفارق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة .. كما في قوله تعالى:(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران:104. فهذا خطاب موجه لمجموع الأمة المتمثلة بـ (الفرقة الناجية) بأن ينفر منهم طائفة معينة ومتخصصة ـ وهو المراد هنا بالأمة ـ تتفرغ وتتخصص للنهوض بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
فالنص فرق بين (الفرقة الناجية) وهي مجموع الأمة المعنية بالخطاب وبين الطائفة المنصورة .. وهم المجموعة من الأمة العامة ينهضون بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال ابن كثير في التفسير 1/398: يقول تعالى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون .
قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ا- هـ.
فهم خاصة الخاصة .. وهذا يستحيل أن يكون أو يتحقق في كل واحد من الفرقة الناجية الشاملة لمجموع أمة التوحيد .. بما فيهم العجزة .. وغيرهم من الفساق والعصاة ..!
وقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) آل عمران : 146.
فالربيون هنا هم صفوة الطائفة المنصورة الذين يُجاهدون في سبيل الله ولا يخشون في الله لومة لائم ..!
ومن قال بأن الربيين الوارد ذكرهم في الآية يراد بهم الفرقة الناجية وهم كل من استجاب وآمن من النساء والشيِّب وغيرهم .. فقد أخطأ خطأ فادحاً .. لا يليق بمبتدئي طلاب العلم!
وكذلك قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النساء:95.
ففرق الله تعالى بين القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر الذين يدخلون في الفرقة الناجية وبين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم الذين يدخلون في الطائفة المنصورة الظاهرة فهما لا يستويان صفة ومهمة كما أنهما لا يستويان من حيث الأجر والدرجات يوم القيامة وإن كانا يشتركان بصفة النجاة من العذاب بدليل قوله تعالى: وكلاً وعد اللهُ الحسنى ولكن فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً .
وفي الحديث فقد تقدم معنا قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق .. ). ( لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس ..). ( لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من المسلمين ..). (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم .. ) وغيرها من النصوص.
فقوله صلى الله عليه وسلم:(من أمتي .. عصابة من المسلمين ) تفيد التبعيض أي الطائفة المنصورة .. من الفرقة الناجية الشاملة لمجموع أمة التوحيد والإجابة ..!
ثانياً : من حيث دلالة صفات كل من الطائفة المنصورة والفرقة الناجية .. فالنصوص الشرعية قد ميزت بين صفات الطائفة المنصورة وبين صفات الفرقة الناجية مما يحملنا بالضرورة على القول بأن الطائفة المنصورة شيء آخر زائد عن الفرقة الناجية .. فالفرقة الناجية تتصف بسلامة الاعتقاد وحسن الإتباع لذلك عندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها .. وعن صفاتها فأجاب بأنها هي التي تكون على ( ما أنا عليه وأصحابي ) .
بينما الطائفة المنصورة ـ بدلالة النصوص الآنفة الذكر ـ هم إضافة إلى صفة سلامة الاعتقاد وحسن الإتباع .. فإنهم يجاهدون في سبيل الله .. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. ظاهرون بالحق على من ناوأهم أو خالفهم .. يصدعون بالحق لا يخشون في الله لومة لائم .. إلى آخر الصفات التي تقدم ذكرها في بحثنا هذا.
وهذه صفات يستحيل أن تتحقق في مجموع أفراد الطائفة الناجية على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم وقدراتهم .. من الشيوخ والنساء والولدان والعوام وغيرهم ..!
ـ خلاصة القول: أن كل فرد من الطائفة المنصورة هو من الفرقة الناجية ولا يستلزم العكس لاستحالة أن تتوفر صفات الطائفة الظاهرة المنصورة في كل فرد من أفراد الفرقة الناجية .. فلزم القول بالتفريق ولا بد.
الطائفة المنصورة بالنسبة للفرقة الناجية تعتبر الصفوة أو الطليعة التي تتصدر المهام العظام .. وتنوب عن الأمة في الذود عن الحقوق والحرمات.
بينما الفرقة الناجية بالنسبة للطائفة المنصورة تعتبر القاعدة الشعبية العريضة التي منها تستمد عناصرها ..!
الطائفة المنصورة والفرقة الناجية يشتركان في صفة سلامة الاعتقاد وحسن الإتباع والاقتداء .. ويفترقان في بقية الصفات كما تقدم .
فإن قيل ما الفائدة من هذا التقسيم والتفصيل ..؟!
أقول: أولاً هو نزول عند العمل بنصوص الشريعة التي ميزت بين العالم العامل وبين الجاهل من عوام الناس .. وبين المجاهد وبين القاعد .. وما أعد لكل منهما من الأجر والثواب.
ثانياً: حتى لا يتشبع كل امرئ بما لم يُعط .. فيقول: أنا من الطائفة الظاهرة المنصورة .. وهو في حقيقة أمره لا يعدو أن يكون من الفرقة الناجية .. هذا إذا لم يكن من هذه ولا تلك!
المسألة الثانية
أين توجد الطائفة المنصورة وهل لها مكان محدد وثابت تتواجد فيه ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. ليس للطائفة المنصورة مكان محدد لا تتجاوزه إلى غيره فحيثما يتواجد مقتضى صفاتها فهي تتواجد .. ولا أدل على ذلك من قبور الصحابة رضوان الله عليهم المنتشرة في أرجاء المعمورة بحسب ما اقتضاه منهم واجب الجهاد في سبيل الله ..!
ولكن الذي يمكن قوله: أن الشام [ المراد بالشام : الشام الكبرى وتضم سورية وفلسطين ولبنان والأردن حتى تبوك من أراضي الجزيرة العربية] لا تخلوا أثراً من وجود للطائفة المنصورة وذلك للأحاديث والآثار الصحيحة الواردة في فضائل الشام وأهله والدالة على أن الشام لا تخلو من وجود للطائفة المنصورة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم: ( لن تبرح هذه الأمة منصورين أينما توجهوا لا يضرهم من خذلهم من الناس حتى يأتي أمر الله وهم بالشام ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) .
وقال صلى الله عليه وسلم:(لا يزال أهل المغرب ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) . قال الإمام أحمد بن حنبل: أهل المغرب هم أهل الشام ..!
وقال صلى الله عليه وسلم : ( عقر دار المؤمنين بالشام ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدين ) .
وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً : ( إني رأيت الملائكة في المنام أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام فإذا وقعت الفتن فإن الإيمان بالشام ) .
وعن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله اكتب لي بلداً أكون فيه فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك. قال:( عليك بالشام عليك بالشام عليك بالشام ). فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته للشام قال:( هل تدرون ما يقول الله تعالى ؟ يقول أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي .. ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة. قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام أُمرنا أن نضعه بالشام ).
وفي رواية :( عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده ).
وعنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ستجدون أجناداً جنداً بالشام وجنداً بالعراق وجنداً باليمن ) قال عبد الله: فقمت فقلت: خر لي يا رسول الله ! فقال:( عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فإن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله ).
قال ربيعة: سمعت أبا إدريس يحدث بها الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه [ جميع ما تقدم من أدلة عن فضائل الشام وأهله، مأخوذ عن كتاب " فضائل الشام للربعي "، تحقيق الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وجميع ما أثبتناه فهو إما صحيح أو حسن ولله الحمد ].
فجميع هذه الأحاديث وغيرها تدل على أن الطائفة المنصورة لها وجودها في الشام وأنه مهما تضاءل أثرها وحجمها إلا أنها لا تعدم كلياً من الشام .. وأن الخير باق في الشام رغم أنف الطواغيت الظالمين !
كما أن في هذه الأحاديث بشارة طيبة لجميع المسلمين وبخاصة منهم أهل الشام : بأن الشام ـ مهما طال فيها زمن الظلمة والفساد وعربد فيها الطواغيت ـ لا بد وأنه سيعود إليها مجدها ودورها في قيادة الأمة نحو النصر والتمكين .. وتحرير الشعوب من ربقة عبادة العبيد إلى عبادة الله الواحد الأحد. وما ذلك ببعيد إن شاء الله .. وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبا الإسراء:51
المسألة الثالثة
هل يلزم أن تكون الطائفة المنصورة مجتمعين في جماعة واحدة بحيث يكون كل واحد خارج هذه الجماعة ليس من الطائفة المنصورة ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. رغم أن الغالب في الطائفة المنصورة تعمل بصورة جماعية منظمة كما تقدم إلا أن هذا لا يلزم أن يكون جميع أفراد الطائفة المنصورة مجتمعين في تجمع واحد وفي قطر واحد بحيث يعتبر كل واحد خارج هذا التجمع ليس من الطائفة المنصورة.
والذي يقرر ذلك أن الطائفة المنصورة ـ كما تقدم ـ لها صفاتها تعرف بها لا بغيرها فمن توفرت فيه هذه الصفات فهو منها وهي منه سواء تسمى باسمها أو لم يتسم باسمها وأيا كان موقعه ومكانه ..!
قال النووي رحمه الله: يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض[شرح صحيح مسلم:13/67].
المسألة الرابعة
هل يلزم أن كل من كان من الطائفة المنصورة أن يبقى منها طيلة حياته .. ولا يخرج منها ؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. العصمة ليست لأحد بعد الأنبياء .. فقد يكون المرء اليوم من الطائفة المنصورة بحكم ما يتحلى من صفات تجعله منها أو قريب منها .. وغداً قد يطرأ عليه من التقلبات والأحوال ما يُخرجه عن صفات الطائفة المنصورة .. وعن كونه واحداً منها .. والعاصم من عصمه الله تعالى وثبته .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
وعليه نقول: كما أن المرء يقوى إيمانه ويضعف .. بحسب ما يؤتي من الطاعات أو المعاصي والآثام .. كذلك تراه يقترب ويبتعد ـ وبشكل مستمر ـ عن الطائفة المنصورة بحسب ما يعتريه من تقلبات أو تغيرات وأوصاف ومواقف .. تقربه أو تبعده .
المسألة الخامسة
أي الجماعات الإسلامية المعاصرة أقرب إلى الطائفة المنصورة .. أو ينطبق عليها مسمى الطائفة المنصورة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أكثر الجماعات الإسلامية المعاصرة قرباً للطائفة المنصورة المرضية وينطبق عليها مسمى الطائفة المنصورة .. أكثرها تحلياً والتزاماً بصفات الطائفة المنصورة الآنفة الذكر .. والقارئ الواعي أصبح لديه الميزان الدقيق الذي به يزن الجماعات والأفراد والأحزاب .. ويعرف مدى قربها أو بعدها عن الطائفة الناجية المنصورة وذلك من خلال معرفته بصفاتها الواردة في هذا البحث.
وأعتقد أن الطائفة التي تجاهد في سبيل الله في الشيشان وفي أفغانستان هم من الطائفة المنصورة الظاهرة .. إن شاء الله.
المسألة السادسة
كيف نوفق بين كونهم ظاهرين وقاهرين لعدوهم وبين واقع المسلمين في هذا الزمان ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. نقول لمن يسأل هذا السؤال: أمعن النظر جيداً بما يجري على الساحة الإسلامية فسوف تدرك أن لهذه الطائفة وجوداً في زماننا وفي كل زمان فإن خانك بصرك ولم تر إلا الوجه القاتم من واقع المسلمين نستسمحك عذراً في أن نقول لك: كذب بصرك وخاب ظنك .. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) .
ولكن الذي يمكن قوله هنا: أن حجم الظهور من حيث الكم والسعة .. وكذلك من حيث نوع الظهور .. قد يتضاءل أو يزيد في زمن دون زمن وفي مكان دون مكان .. بحيث يظن البعض بأن الطائفة المنصورة لم يعد لها وجود أو أثر .. والحقيقة تكون أنه يجهل واقع المسلمين على وجه التفصيل وما يجري على الساحة من أحداث ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق