تعد زيارة البابا تواضرس الثانى للفاتيكان (من 9 إلى 13/5/2013) أول رحلة له خارج البلاد منذ توليه منصب البابوية يوم 4/11/2012، والتعليقات الصحافية والإذاعية التى تناولت لقاءه مع البابا فرانسيس تكشف عن موقف مرتب مسبقا بغية التصعيد فى إتجاهين : التقارب بين الكنيستين القبطية والكاثوليكية رغم كل ما بينهما من خلافات عقائدية أساسية، من جهة، وزعم تزايد إضطهاد الأقباط يوميا منذ تولى الإخوان المسلمين السلطة، من جهة أخرى.. فقد فسّر موقع زنيت التابع للفاتيكان هذه الزيارة على أنها محاولة تقارب وأن الباطريارك تواضروس الثانى "يطوى صفحة غير مرحب بها، فقد كان شنودة الثالث قد اعترض على عبارات بنديكت 16 سنة 2011 حينما أدان العنف الذى يتعرض له مسيحيو الشرق وإعتبرها تدخلا فى شئون الداخلية". لذلك تم إعتبار زيارة تواضروس الثانى تقاربا ورغبة منه فى مزيد من التعاون بين الكاثوليك والأورثوذكس فى مصر.
ويوضح إسكندر يوتشانتى، مراسل القناة الخامسة للتليفزيون الفرنسى فى مصر، أن تواضروس الثانى، على عكس شنودة، قد بدأ مشواره البابوى بتوجيه النقد للسلطة الحاكمة فى مصر التى يسيطر عليها الإخوان المسلمين، لصمتها على أحداث الكاتدرائية التى "إعتدى عليها المناضلون الإسلاميين وقام البوليس بإستخدام القنابل المسيّلة للدموع ضد الأقباط ، وهى واقعة لا سابقة لها، وظلت مثلها مثل كافة الإعتداءات على المسيحيين دون أية محاسبة".. ثم يضيف المراسل : "وقد ازداد الوضع سوءاً منذ مجئ الإخوان المسلمين إلى السلطة فى مطلع 2012، فلا يمر أسبوعا دون أن تتم محاكمة مسيحى لإزدرائه الإسلام، أو دون أن يتم الإعتداء على كنيسة، أو أن يُطرد المسيحيون من قراهم، أو أن يتم حرق بيوتهم أو بإختصار : دون أن يتم قتلهم" !! وتعلوا المبالغة ليضيف قائلا : "إضافة إلى هذه المضايقات اليومية وخطاب القنوات الإسلامية المعادى للمسيحيين، فقد إضطر المسيحيون إلى الفرار من مصر، فوِفقا لما أعلنته الكنيسة يبلغ عددهم مائة ألف هارباً من مصر" !؟
أما جريدة لاكروا الكنسية فقد ركزت على مدى التقارب بين الكنيستين وعلى رغبة تواضرس الثانى فى إعتبار يوم ذلك اللقاء مع بابا الفاتيكان عيدا سنويا، مذكرا "أن الكنيستان قد تم ريّها بدماء كثير من الشهداء"، ودعا بابا الفاتيكان لزيارة مصر.. بينما علق بابا الفاتيكان مشيرا إلى "الوحدة فى الآلام والمعاناة" موضحا : "مثلما كان دم الشهداء بمثابة قوة وإخصاب للكنيسة، فإن الآلام والمعاناة اليومية يمكنها أن تصبح أداة فعلية للوحدة".. ثم زايد مضفيا هذا المفهوم على العلاقات بين المسيحيين وغير المسيحيين، إذ إبتداء من المعاناة المشتركة يمكن بالفعل أن ينبثق العفو والمصالحة". ولمن لا يعرف معنى هاتين الكلمتين فى القاموس الكنسى فإنهما من الكلمات التى تشير إلى التبشير والدخول فى سر المسيح.. إذ أضاف البابا فرانسيس موجها خطابه إلى تواضرس الثانى قائلا : "أننى مقتنع بأن الصلاة المشتركة التى جمعتنا بقيادة الروح القدس وحوارنا ورغبتنا فى أن نبنى يوما بعد يوم التوافق فى المحبة، سوف يسمح لنا بإنجاز خطوات هامة تجاه الوحدة الكاملة".
وكان تواضرس الثانى قد أوضح فى كلمته "أن المجتمع المصرى مبنى على أعمدة تحمل المجتمع، ومن هذه الأعمدة الأزهر والكنيسة والسلطة القضائية. وأن المساس بهذه الأعمدة أو هدمها تكون النتيجة إنهيار المجتمع"..
أما وكالة أنباء رويتر فقد وصفت هذه الزيارة بأنها شديدة الرمزية، "فقد قام البابا فرانسيس والباطريارك تواضرس الثانى بالصلاة معا، وتحدثا على إنفراد ، وتناولا علنا معاناة المسيحيين ومساهمتهم فى وحدة أتباع الكنيسة، ناقلا عبارة فرانسيس من أن "تقاسم الآلام اليومية يمكنها أن تصبح أداة فعّالة للوحدة".
بينما كتب موقع راديو فرنسا الدولى عنوانا صارخا يقول : "الباطريارك القبطى تواضرس الثانى يتهم السلطات المصرية بإستخدام تصرف "كاسح مخزى" (drastique déshonorable) ولام الرئيس محمد مرسى على أنه تدخل بعد مرور 48 ساعة من الإعتداءات المعادية للمسيحيين ! وأشاد الموقع بتواضرس الثانى الذى تصرف عكس سابقه شنودة الثالث الذى كان يلجأ إلى الإعتكاف فحسب.. ثم اختتم الموقع مقاله بعبارة لها مغزاها للبابا السابق بنديكت 16 عندما تم إنتخاب تواضرس الثانى قائلا : "فى هذه الأزمنة الصعبة من المهم أن يعرب كافة المسيحيين عن المحبة والصداقة التى تربط بينهم وفقا لرجاء يسوع حين أعلن أن يكون الجميع واحد حتى يؤمن العالم".. وهو ما يشير إلى أن توحيد الكنائس يتم وفقا لمجمع الفاتيكان الثانى (1965) ووفقا لما أعلنه البابا الراحل يوحنا بولس الثانى وأورده فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان" : "لا بد من توحيد كافة الكنائس للتصدى لموجة المد الإسلامى"..
بينما تناولت مجلة نوفل أوبسيرفاتور الخبر بتوضيح "أن الباطريارك تواضرس الثانى كان قد اشتكى قبل أيام من تدهور وضع الأقباط فى مصر، أما فى مداخلاتهما العلنية فلا البابا فرانسيس ولا تواضرس الثانى قد ذكرا أحداث العنف فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، الذين يمثلون 15% من التعداد". وتجدر الإشارة هنا إلى أن كافة الجرائد والمجلات الأخرى قد أوضحت أن تعدادهم من 6 إلى 10 % ، وأنهم يطالبون بتعديل اللوائح والقوانين حتى يتمكنوا من بناء أو تجديد الكنائس ! وعادة ما تكون المقاربة بين عددين أى من 6 إلى 7 % مثلا، وليس إلى الضعف تقريبا! أما الأب مكارى حبيب السكرتير الخاص لتواضرس الثانى فقد أعلن لوكالة أنباء فيديس التابعة للفاتيكان "أن تعداد الأقباط 20 % ، وبناء على ذلك فإن من حقهم مائة مقعد من مقاعد البرلمان الخمسمائة ، وإلى نفس النسبة فى كافة الوزارات ومن بين المحافظين وكذلك فى الجيش والبوليس"!! وهى عبارة تفسر معنى الإصرار الأكمه على رفع تعداد المسيحيين من 4% إلى 20 %.
أما خطاب تواضرس الثانى فأول ما بدأ به هو أهمية حوار الأديان (الذى يعنى بكافة الوثائق الناجمة عن مجمع الفاتيكان الثانى، كسب الوقت حتى يتم تنصير العالم)، ثم تناول أهمية زيارة شنودة الثالث للفاتيكان أيام البابا بولس السادس (من 4ـ19/5/1973) والوثيقة التى تم التوقيع عليها سنة 1988، والتى أعقبتها زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثانى لمصر سنة 2000 . ثم استطرد تواضرس الثانى قائلا : "إن الكنيسة القبطية من أقدم الكنائس وقد رويت بدم الشهداء منذ القِدم وحتى يومنا هذا، وهو ما يزيدها قوة" !. بينما شكر البابا فرانسيس ضيفه على الإهتمام الذى يوليه للحوار مع الكاثوليك بإنشائه "المجلس القومى للكنائس المسيحية بمصر" فى فبراير 2012 ، لمزيد من الحوار حتى يضعوا أنفسهم فى خدمة المجتمع بأسره". وإن دل هذا المجلس عن شئ، الذى تم إنشاؤه على غرار مجلس الكنائس العالمى، فهو ينم عن الرغبة الملحّة للبابا تواضرس الثانى فى التصعيد والإستقواء داخليا وخارجيا حتى بالأكاذيب والفريات.
وفى الحادى عشر من مايو، أى فى اليوم التالى لتلك الزيارة التاريخية، أعلن البابا فرانسيس عن رغبته فى زيارة مصر، ردا على دعوة تواضرس الثانى له ، وهو ما أوضحه هذا الأخير فى حوار مع راديو الفاتيكان، واصفا لقائه مع البابا بأنها كانت زيارة رائعة، معربا عن ثقته فى أنها سوف تساعد على تحسين العلاقات بين الكاثوليك والأورثوذكس.. ولم يتم تحديد موعد لزيارة فرانسيس، بابا الفاتيكان، إذ يجب أن تسبقها دعوة من جهات أخرى، كما أوضح البيان..
أما جريدة لوموند الفرنسية فبعد أن تناولت إضطهاد الأقباط اليومى فى مصر كتبت : "لقد تباعدت الكنيسة القبطية طويلا عن زميلتها الكاثوليكية بسبب الريبة، بل العداء نتيجة لسيطرة روما واستعراض مبشريها الكاثوليك أيام الإحتلال أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. والكنيسة القبطية أقدم من الكاثوليكية وتعتبر نفسها الكنيسة الكبرى، إلا أن حيوية الأعداد البشرية الكاثوليكية وحجمها العالمى قد قلّص القبطية إلى مجرد كنيسة محلية".. ثم أضافت الجريدة الرسمية الفرنسية : "وحيال هذه التهديدات فإن البابا القبطى بحاجة إلى مساندة زميله الكاثوليكى حتى وإن أدى ذلك إلى كتمان الخلافات العقائدية التى لا تزال قائمة. أما بالنسبة لفرانسيس الكاثوليكى فالمشكلة مختلفة تماما : هل يميّز الحوار مع السلطات الإسلامية الجديدة فى الحكم والمتصاعدة فى العالم العربى ، أو يحمى الأقليات القبطية فى الشرق الأوسط ؟" ..
ولا يسع المجال هنا لتناول الفريات التى كررها بعض المسئولين فى الكنيسة القبطية وكل ما بها من مغالطات إستفزازية، عملا بمقولة "ضربنى وبكى، سبقنى وإشتكى"، فلذلك مقال آخر .. أما الأهم من الرد على الفريات الممجوجة فهو توضيح الخلافات التى تعددت الإشارة إليها فى الجرائد والإذاعات الفرنسية والإيطالية، حتى يفهم القارئ المسيحى قبل المسلم كيف يتم التلاعب بالعقائد وفقا للأهواء والأحداث السياسية عبر المجامع واللقاءات على مر التاريخ.. وكى يفهم بالواقع العملى ان نصوص هذه المسيحيات الحالية أبعد ما تكون عن نصوص منزّلة..
وعلى الرغم من كم الخلافات الرئيسية أو الجزئية بين الكنيستين، الأورثوذكسية والكاثوليكية، إلا أنه يمكن إختصارها إجمالا إلى أربعة نقاط أساسية، إثنتان منها عقائدية، وإثنتان متعلقتان بالتنظيم الكنسى، وهما تباعا: نسب الروح القدس؛ الحمل العذرى بمريم؛ سيادة بابا روما؛ ومعصومية البابا من الخطأ، والمقصود بالبابا هنا هو بابا روما فقط لا غير إذ لا يوجد بابا سواه.
نسب الروح القدس : إمتدت المشاحنات بين الكنائس وأساقفتها طويلا لتحديد نص عقيدة الإيمان وبدعة تأليه يسوع المسيح رغم كل ما هو وارد بالأناجيل من أعداد تؤكد أنه نبى من الأنبياء. وتم صياغة وفرض عقيدة مساواته بالله عز وجل فى مجمع نيقية سنة 325 ، لكن الخلافات لم تهدأ إذ بدأت مشكلة هل له طبيعة واحدة إلهيةـ إنسانية أم طبيعتان مستقلتان إلهية وإنسانية ؟ ثم بدأت مشكلة هل له إرادة واحدة أم إرادتان ؟ وتزامنت معها مشكلة الروح القدس وهل هو منبثق من الله فقط ، مثله مثل المسيح ، أم منبثق من الله ومن المسيح وبالتالى يكون الروح القدس إبنهما ، أم يتساوى ثلاثتهم ، وقد تم حسمها فى الغرب فى مجمع القسطنطينية سنة 381 واعتبروه مساويا لله وليسوع وأن الثلاثة واحد، لكن الخلافات لم تهدأ فكل تعديل أو تحريف جديد يترتب عليه مشكلات أخرى جديدة لم تكن فى الحسبان. واستمر الصراع بين السلطتين المدنية والدينية، وبين الكنيستين ، خاصة أيام شارلمان سنة 800، وتشعب الصراع العقائدى بين الكنيستين لتتم القطيعة بينهما يوم 24 يوليو سنة 1054، تلك القطيعة التى بدأ البابا شنودة الثالث محاولة رأبها عندما زار الفاتيكان منذ أربعين عاما.
الحمل العذرى بمريم : والمقصود به ليس حملها فى يسوع وعذريتها التى توصّلوا بعد المشاحنات المجمعية والتعديلات إلى "أن عذريتها إمتدت قبل وأثناء وبعد الحمل والوضع" !! وإنما المقصود هو حمل أمها بها خارج نطاق ما يُطلقون عليه "الخطيئة الأولى" (أى الوسيلة الطبيعية للحمل)، وهو تحريف جديد يرجع إلى القرن التاسع عشر. وهذا التحريف الجديد يتناقض مع ما سبق وفرضته الكنيسة من خلال المجامع ونصوصها "أن يسوع بصفته الإله الأوحد ، كما يقولون، هو المنقذ والشفيع الوحيد لكل الإنسانية"، بما فى ذلك أمه.. فكيف تصبح أمه مخلّصة وشفيعة مثلها مثل إبنها ؟!
سيادة بابا روما : وتعنى مهما إنقسمت العقائد والكنائس أو حتى إن كان هناك منصب بابوية لكل كنيسة من من الكنائس المنشقة، فقد شاءت روما أن تحتل الصدارة ويكون عند المواقف الجماعية بابا روما هو الرئيس الأوحد الذى يترأس كافة الكنائس بل ويحق له أن يقيل الأساقفة (وهى الرتبة التى يتم منها إختيار البابوات). وذلك بزعم أن بابا روما قد تسلم سلطة التحدث عن جميع المسيحيين من المسيح شخصيا ـ وذلك فى زمن لم تكن فيه كنيسة أيام السيد المسيح ولا بابوات ولا أى شئ من هذه البدع التى تم نسجها عبر المجامع على مر العصور.. بدليل ما نطالعه فى أعمال الرسل بأن أول إجتماع للحواريين تم بعد "صلب المسيح" كما يقولون، كان فى بيت يعقوب شقيق السيد المسيح ، حوالى سنة خمسين، وبعدها تم تسمية هذا اللقاء "جمعية" وهى مأخوذة من كلمة "إكليزيا" اليونانية التى أعطت كنيسة فيما بعد.. فكيف تسلم البابا سلطته من السيد المسيح ؟!
معصومية البابا من الخطأ : من البديهى أن أول ما يشير إليه هذا التحريف الذى تم فرضه فى مجمع الفاتيكان الأول (1870) هو مساواة البابا فرضا بالثالوث الإلهى ، الذى من المفترض أنه المعصوم من الخطأ. ومن المعروف أن هذا المجمع كان قد إجتمع لمحاربة العلم والتقدم اللغوى الذى كشف الكثير من التحريف الذى أبعد الأتباع فى الغرب عن الدين.. ولا تزال الخلافات قائمة إلى اليوم.
ولا نهاية لكل ما ألم بهذه المؤسسة من تغيير وتعديل وتبديل ، لكن يبقى السؤال مطروحا رغم الفريات والأكاذيب : هل سيقوم الباطريارك تواضرس الثانى، كما يلقبونه فى كافة المقالات فى الغرب ، فلا بابا إلا فى روما ، هل سيقوم بأخذ رأى "شعب الكنيسة القبطية" التى يترأسها فى "التعديلات العقائدية" التى ينوى القيام بها فى العقائد الإيمانية الأورثوذكسية التى تسير عليها الكنيسة هنا منذ إنشائها، فى سبيل الإستقواء بالفاتيكان ، لمحاربة الإسلام والمسلمين ، أم سيقوم بفرضها على الأتباع صمتا أو تمويها ؟!
الدكتورة زينب عبد العزيز
أما جريدة لاكروا الكنسية فقد ركزت على مدى التقارب بين الكنيستين وعلى رغبة تواضرس الثانى فى إعتبار يوم ذلك اللقاء مع بابا الفاتيكان عيدا سنويا، مذكرا "أن الكنيستان قد تم ريّها بدماء كثير من الشهداء"، ودعا بابا الفاتيكان لزيارة مصر.. بينما علق بابا الفاتيكان مشيرا إلى "الوحدة فى الآلام والمعاناة" موضحا : "مثلما كان دم الشهداء بمثابة قوة وإخصاب للكنيسة، فإن الآلام والمعاناة اليومية يمكنها أن تصبح أداة فعلية للوحدة".. ثم زايد مضفيا هذا المفهوم على العلاقات بين المسيحيين وغير المسيحيين، إذ إبتداء من المعاناة المشتركة يمكن بالفعل أن ينبثق العفو والمصالحة". ولمن لا يعرف معنى هاتين الكلمتين فى القاموس الكنسى فإنهما من الكلمات التى تشير إلى التبشير والدخول فى سر المسيح.. إذ أضاف البابا فرانسيس موجها خطابه إلى تواضرس الثانى قائلا : "أننى مقتنع بأن الصلاة المشتركة التى جمعتنا بقيادة الروح القدس وحوارنا ورغبتنا فى أن نبنى يوما بعد يوم التوافق فى المحبة، سوف يسمح لنا بإنجاز خطوات هامة تجاه الوحدة الكاملة".
وكان تواضرس الثانى قد أوضح فى كلمته "أن المجتمع المصرى مبنى على أعمدة تحمل المجتمع، ومن هذه الأعمدة الأزهر والكنيسة والسلطة القضائية. وأن المساس بهذه الأعمدة أو هدمها تكون النتيجة إنهيار المجتمع"..
أما وكالة أنباء رويتر فقد وصفت هذه الزيارة بأنها شديدة الرمزية، "فقد قام البابا فرانسيس والباطريارك تواضرس الثانى بالصلاة معا، وتحدثا على إنفراد ، وتناولا علنا معاناة المسيحيين ومساهمتهم فى وحدة أتباع الكنيسة، ناقلا عبارة فرانسيس من أن "تقاسم الآلام اليومية يمكنها أن تصبح أداة فعّالة للوحدة".
بينما كتب موقع راديو فرنسا الدولى عنوانا صارخا يقول : "الباطريارك القبطى تواضرس الثانى يتهم السلطات المصرية بإستخدام تصرف "كاسح مخزى" (drastique déshonorable) ولام الرئيس محمد مرسى على أنه تدخل بعد مرور 48 ساعة من الإعتداءات المعادية للمسيحيين ! وأشاد الموقع بتواضرس الثانى الذى تصرف عكس سابقه شنودة الثالث الذى كان يلجأ إلى الإعتكاف فحسب.. ثم اختتم الموقع مقاله بعبارة لها مغزاها للبابا السابق بنديكت 16 عندما تم إنتخاب تواضرس الثانى قائلا : "فى هذه الأزمنة الصعبة من المهم أن يعرب كافة المسيحيين عن المحبة والصداقة التى تربط بينهم وفقا لرجاء يسوع حين أعلن أن يكون الجميع واحد حتى يؤمن العالم".. وهو ما يشير إلى أن توحيد الكنائس يتم وفقا لمجمع الفاتيكان الثانى (1965) ووفقا لما أعلنه البابا الراحل يوحنا بولس الثانى وأورده فى كتاب "الجغرافيا السياسية للفاتيكان" : "لا بد من توحيد كافة الكنائس للتصدى لموجة المد الإسلامى"..
بينما تناولت مجلة نوفل أوبسيرفاتور الخبر بتوضيح "أن الباطريارك تواضرس الثانى كان قد اشتكى قبل أيام من تدهور وضع الأقباط فى مصر، أما فى مداخلاتهما العلنية فلا البابا فرانسيس ولا تواضرس الثانى قد ذكرا أحداث العنف فى مصر بين المسلمين والمسيحيين، الذين يمثلون 15% من التعداد". وتجدر الإشارة هنا إلى أن كافة الجرائد والمجلات الأخرى قد أوضحت أن تعدادهم من 6 إلى 10 % ، وأنهم يطالبون بتعديل اللوائح والقوانين حتى يتمكنوا من بناء أو تجديد الكنائس ! وعادة ما تكون المقاربة بين عددين أى من 6 إلى 7 % مثلا، وليس إلى الضعف تقريبا! أما الأب مكارى حبيب السكرتير الخاص لتواضرس الثانى فقد أعلن لوكالة أنباء فيديس التابعة للفاتيكان "أن تعداد الأقباط 20 % ، وبناء على ذلك فإن من حقهم مائة مقعد من مقاعد البرلمان الخمسمائة ، وإلى نفس النسبة فى كافة الوزارات ومن بين المحافظين وكذلك فى الجيش والبوليس"!! وهى عبارة تفسر معنى الإصرار الأكمه على رفع تعداد المسيحيين من 4% إلى 20 %.
أما خطاب تواضرس الثانى فأول ما بدأ به هو أهمية حوار الأديان (الذى يعنى بكافة الوثائق الناجمة عن مجمع الفاتيكان الثانى، كسب الوقت حتى يتم تنصير العالم)، ثم تناول أهمية زيارة شنودة الثالث للفاتيكان أيام البابا بولس السادس (من 4ـ19/5/1973) والوثيقة التى تم التوقيع عليها سنة 1988، والتى أعقبتها زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثانى لمصر سنة 2000 . ثم استطرد تواضرس الثانى قائلا : "إن الكنيسة القبطية من أقدم الكنائس وقد رويت بدم الشهداء منذ القِدم وحتى يومنا هذا، وهو ما يزيدها قوة" !. بينما شكر البابا فرانسيس ضيفه على الإهتمام الذى يوليه للحوار مع الكاثوليك بإنشائه "المجلس القومى للكنائس المسيحية بمصر" فى فبراير 2012 ، لمزيد من الحوار حتى يضعوا أنفسهم فى خدمة المجتمع بأسره". وإن دل هذا المجلس عن شئ، الذى تم إنشاؤه على غرار مجلس الكنائس العالمى، فهو ينم عن الرغبة الملحّة للبابا تواضرس الثانى فى التصعيد والإستقواء داخليا وخارجيا حتى بالأكاذيب والفريات.
وفى الحادى عشر من مايو، أى فى اليوم التالى لتلك الزيارة التاريخية، أعلن البابا فرانسيس عن رغبته فى زيارة مصر، ردا على دعوة تواضرس الثانى له ، وهو ما أوضحه هذا الأخير فى حوار مع راديو الفاتيكان، واصفا لقائه مع البابا بأنها كانت زيارة رائعة، معربا عن ثقته فى أنها سوف تساعد على تحسين العلاقات بين الكاثوليك والأورثوذكس.. ولم يتم تحديد موعد لزيارة فرانسيس، بابا الفاتيكان، إذ يجب أن تسبقها دعوة من جهات أخرى، كما أوضح البيان..
أما جريدة لوموند الفرنسية فبعد أن تناولت إضطهاد الأقباط اليومى فى مصر كتبت : "لقد تباعدت الكنيسة القبطية طويلا عن زميلتها الكاثوليكية بسبب الريبة، بل العداء نتيجة لسيطرة روما واستعراض مبشريها الكاثوليك أيام الإحتلال أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. والكنيسة القبطية أقدم من الكاثوليكية وتعتبر نفسها الكنيسة الكبرى، إلا أن حيوية الأعداد البشرية الكاثوليكية وحجمها العالمى قد قلّص القبطية إلى مجرد كنيسة محلية".. ثم أضافت الجريدة الرسمية الفرنسية : "وحيال هذه التهديدات فإن البابا القبطى بحاجة إلى مساندة زميله الكاثوليكى حتى وإن أدى ذلك إلى كتمان الخلافات العقائدية التى لا تزال قائمة. أما بالنسبة لفرانسيس الكاثوليكى فالمشكلة مختلفة تماما : هل يميّز الحوار مع السلطات الإسلامية الجديدة فى الحكم والمتصاعدة فى العالم العربى ، أو يحمى الأقليات القبطية فى الشرق الأوسط ؟" ..
ولا يسع المجال هنا لتناول الفريات التى كررها بعض المسئولين فى الكنيسة القبطية وكل ما بها من مغالطات إستفزازية، عملا بمقولة "ضربنى وبكى، سبقنى وإشتكى"، فلذلك مقال آخر .. أما الأهم من الرد على الفريات الممجوجة فهو توضيح الخلافات التى تعددت الإشارة إليها فى الجرائد والإذاعات الفرنسية والإيطالية، حتى يفهم القارئ المسيحى قبل المسلم كيف يتم التلاعب بالعقائد وفقا للأهواء والأحداث السياسية عبر المجامع واللقاءات على مر التاريخ.. وكى يفهم بالواقع العملى ان نصوص هذه المسيحيات الحالية أبعد ما تكون عن نصوص منزّلة..
وعلى الرغم من كم الخلافات الرئيسية أو الجزئية بين الكنيستين، الأورثوذكسية والكاثوليكية، إلا أنه يمكن إختصارها إجمالا إلى أربعة نقاط أساسية، إثنتان منها عقائدية، وإثنتان متعلقتان بالتنظيم الكنسى، وهما تباعا: نسب الروح القدس؛ الحمل العذرى بمريم؛ سيادة بابا روما؛ ومعصومية البابا من الخطأ، والمقصود بالبابا هنا هو بابا روما فقط لا غير إذ لا يوجد بابا سواه.
نسب الروح القدس : إمتدت المشاحنات بين الكنائس وأساقفتها طويلا لتحديد نص عقيدة الإيمان وبدعة تأليه يسوع المسيح رغم كل ما هو وارد بالأناجيل من أعداد تؤكد أنه نبى من الأنبياء. وتم صياغة وفرض عقيدة مساواته بالله عز وجل فى مجمع نيقية سنة 325 ، لكن الخلافات لم تهدأ إذ بدأت مشكلة هل له طبيعة واحدة إلهيةـ إنسانية أم طبيعتان مستقلتان إلهية وإنسانية ؟ ثم بدأت مشكلة هل له إرادة واحدة أم إرادتان ؟ وتزامنت معها مشكلة الروح القدس وهل هو منبثق من الله فقط ، مثله مثل المسيح ، أم منبثق من الله ومن المسيح وبالتالى يكون الروح القدس إبنهما ، أم يتساوى ثلاثتهم ، وقد تم حسمها فى الغرب فى مجمع القسطنطينية سنة 381 واعتبروه مساويا لله وليسوع وأن الثلاثة واحد، لكن الخلافات لم تهدأ فكل تعديل أو تحريف جديد يترتب عليه مشكلات أخرى جديدة لم تكن فى الحسبان. واستمر الصراع بين السلطتين المدنية والدينية، وبين الكنيستين ، خاصة أيام شارلمان سنة 800، وتشعب الصراع العقائدى بين الكنيستين لتتم القطيعة بينهما يوم 24 يوليو سنة 1054، تلك القطيعة التى بدأ البابا شنودة الثالث محاولة رأبها عندما زار الفاتيكان منذ أربعين عاما.
الحمل العذرى بمريم : والمقصود به ليس حملها فى يسوع وعذريتها التى توصّلوا بعد المشاحنات المجمعية والتعديلات إلى "أن عذريتها إمتدت قبل وأثناء وبعد الحمل والوضع" !! وإنما المقصود هو حمل أمها بها خارج نطاق ما يُطلقون عليه "الخطيئة الأولى" (أى الوسيلة الطبيعية للحمل)، وهو تحريف جديد يرجع إلى القرن التاسع عشر. وهذا التحريف الجديد يتناقض مع ما سبق وفرضته الكنيسة من خلال المجامع ونصوصها "أن يسوع بصفته الإله الأوحد ، كما يقولون، هو المنقذ والشفيع الوحيد لكل الإنسانية"، بما فى ذلك أمه.. فكيف تصبح أمه مخلّصة وشفيعة مثلها مثل إبنها ؟!
سيادة بابا روما : وتعنى مهما إنقسمت العقائد والكنائس أو حتى إن كان هناك منصب بابوية لكل كنيسة من من الكنائس المنشقة، فقد شاءت روما أن تحتل الصدارة ويكون عند المواقف الجماعية بابا روما هو الرئيس الأوحد الذى يترأس كافة الكنائس بل ويحق له أن يقيل الأساقفة (وهى الرتبة التى يتم منها إختيار البابوات). وذلك بزعم أن بابا روما قد تسلم سلطة التحدث عن جميع المسيحيين من المسيح شخصيا ـ وذلك فى زمن لم تكن فيه كنيسة أيام السيد المسيح ولا بابوات ولا أى شئ من هذه البدع التى تم نسجها عبر المجامع على مر العصور.. بدليل ما نطالعه فى أعمال الرسل بأن أول إجتماع للحواريين تم بعد "صلب المسيح" كما يقولون، كان فى بيت يعقوب شقيق السيد المسيح ، حوالى سنة خمسين، وبعدها تم تسمية هذا اللقاء "جمعية" وهى مأخوذة من كلمة "إكليزيا" اليونانية التى أعطت كنيسة فيما بعد.. فكيف تسلم البابا سلطته من السيد المسيح ؟!
معصومية البابا من الخطأ : من البديهى أن أول ما يشير إليه هذا التحريف الذى تم فرضه فى مجمع الفاتيكان الأول (1870) هو مساواة البابا فرضا بالثالوث الإلهى ، الذى من المفترض أنه المعصوم من الخطأ. ومن المعروف أن هذا المجمع كان قد إجتمع لمحاربة العلم والتقدم اللغوى الذى كشف الكثير من التحريف الذى أبعد الأتباع فى الغرب عن الدين.. ولا تزال الخلافات قائمة إلى اليوم.
ولا نهاية لكل ما ألم بهذه المؤسسة من تغيير وتعديل وتبديل ، لكن يبقى السؤال مطروحا رغم الفريات والأكاذيب : هل سيقوم الباطريارك تواضرس الثانى، كما يلقبونه فى كافة المقالات فى الغرب ، فلا بابا إلا فى روما ، هل سيقوم بأخذ رأى "شعب الكنيسة القبطية" التى يترأسها فى "التعديلات العقائدية" التى ينوى القيام بها فى العقائد الإيمانية الأورثوذكسية التى تسير عليها الكنيسة هنا منذ إنشائها، فى سبيل الإستقواء بالفاتيكان ، لمحاربة الإسلام والمسلمين ، أم سيقوم بفرضها على الأتباع صمتا أو تمويها ؟!
الدكتورة زينب عبد العزيز
الخميس 16 مايو 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق