ما يحدث اليوم من التجرؤ على مؤسسة الرئاسة وعدم احترام أى شرعية ليس إلا نتاجاً لأخطاء الإخوان المسلمين .. صحيح أن مرسى لن يسقط بإذن الله .. ولكن المصيبة الكبرى أنه إذا لم يصحو من هذا السُبات العميق .. إذا لم تفيق هذه الجماعة التى ينتمى إليها فستستمر هذه الحرب القذرة التى ستحيل مصر إلى جحيم لا يطاق وستدمر كل قيمة فى البلاد .
إن من خطايا جماعة الإخوان المسلمين - وما أكثرها - الناتجة عن غياب الرؤية الشاملة والإدارة العلمية تلك الإدارة التى يسبق فيها الفكر الحركة وتأتى الأخيرة دائما على أسس هذا الفكر، ومن خطايا الإخوان المسلمين التى نتجت عن غياب هذه الرؤية والإدارة : أن خطاب الجماعة السياسى بل أقول خطابها على وجه العموم وجل اهتمامها منذ يوم الحادى عشر من فبراير 2011 وحتى يومنا هذا وفى ظل كل المتغيرات ، كان موجهاً ، وموجها فقط إلى نخب عاجزة لم تكن يوما تمثل إلا نفسها ومازالت حتى الآن لا تمثل إلا نفسها . . قتلت الجماعة نفسها لترضى هذه الأقليات بأنواعها سواء كانت أقليات دينية أو علمانية أو أحزاب كرتونية .
وأغفلت الجماعة الشعب، تمام الإغفال ، الشعب الذى هو مصدرالقوة السحرية التى لو أحسن الإخوان استخدامها لفعلوا المعجزات ، أخذ الإخوان يشحذون الرضى والدعم والتحالف من كل الأوكار الموبوئة وكانت استراتيجية الطبطبة هى العمود الفقرى لتعاملهم مع هذه النخب التى لا تمثل إلا نفسها ,, وكانت النتيجة المحزنة أن استغلت هذه النخب الفارغة غفلة الإخوان وقاموا بالتعاون مع فلول النظام السابق ورجال الأعمال المنتفعين بتعبئة عقول الشعب وتحريك شريحة لا يستهان بها منه للمطالبة بخلع الإخوان .
ومصيبة الإخوان العظمى لا تتمثل فقط فى خطاياها ولا تتمثل فقط فى غياب الرؤى الشاملة الواعية ولكن المصيبة الكبرى للإخوان أنهم لا يكتشفون أبدا أنهم على خطأ مهما طال بهم الزمن والسر فى ذلك هو ما أسس عليه إمامهم ومرشدهم الأكبر حسن البنا منهجهم حين قال فى مذكراته المسماه مذكرات الدعوة والداعية ما نصه : ( ونحن مؤمنون بأن دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه ) لذلك فالإخون يكررون أخطائهم دائما ولا يتعلمون أبدا , وقد تمكنت هذه النخب العاجزة التى لا تمثل إلا نفسها بفضل انشغال الإخوان بهم طوال ما يزيد عن العامين ونصف ، من سرقة كل عوائد ثورة يناير حتى وصلت إلى تجسيد كل ما جمعته من قوى فى صورة تمرد .
ومن أهم خطايا الجماعة أنها وحتى يومنا هذا ورغم كل ما مر بنا وبهم من أحداث لا يمتلكون حتى الآن أدوات إعلامية جاذبة وهم يعيشون على وهم شعبيتهم الكاسحة ظانين استحالة تغير الموازين فى الشارع وغفلوا عن أهمية التجميع اليومى بل على مدار الثوانى واللحظات لعورات خصومهم السياسيين ورصد أكاذيبهم وتلفيقاتهم وتفنيدها وكشف عوراها وتدليسها للناس .
تلك النخب الفاشلة التى لا تمثل سوى نفسها والتى كانت بالأمس تؤيد وتريد أن تتعايش مع مبارك ونظامه هى هى نفسها التى وبكل الثقة والشجاعة والإقدام ترفض التعايش مع محمد مرسى المنتخب وفق آليات الديمقراطية التى يؤمنون بها وتصمم على خلعه اليوم وليس غداً مستخدمين أخس ما فى قاموس الوضاعة والنذالة من مصطلحات .. وسبب كل ذلك هو خطايا الإخوان البشعة التى أدمنوا تكرارها على مر السنين ومع اختلاف وتشابه الأحداث .. ونسوا ما فعله به عبد الناصر بعد أن قاموا بحمايته من الحراك الشعبى وتخلوا علن الشعب وعن محمد نجيب ثم انفرد بهم عبد الناصر وافترسهم افتراس الوحوش الجائعة .
فالجماعة لم تستثمر رغم النصائح والتحذيرات التى ساقها لهم المخلصون , لم تستثمر الجماعة مطالب ميدان التحرير الذى كان يعج بالحراك منذ فبراير 2011، وأخص بذلك المطالب الخاصة بالتطهير، الشامل وبالأخص لمؤسسة القضاء وجهاز الشرطة ، بل وعلى العكس تماما قامت الإخوان بوأد كل حراك يهدد هذه المؤسسات وأعلنت نفسها حامية لمؤسسات الدولة الفاسدة التى قام عليها نظام مبارك ، كانت مهمة الإخوان التى أظنها كانت ضمن صفقة شاملة أن تعمل جاهدة على تهدئة كل موجات الحراك الشعبى التى تستهدف تطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها القضاء والشرطة .
والأعجب من ذلك أيضاً أن جماعة الإخوان لم تستثمر البرلمان المنتخب بعد ذلك لتبنى مطالب الشارع الذى كان يغلى ويموج ضد فساد مؤسسات الدولة خاصة القضائية والشرطية بل راحت الجماعة تزايد على هذه المطالب والتى كانت تلح على التطهير ، فزايدت الجماعة على هذا الحراك الشعبى المطالب بالتطهير تحت عنوان " الثورة فى الميدان مش فى البرلمان " ولم يكن هذا التصرف يمت بأى صلة لصفة الذكاء فقد كان يجب على جماعة الإخوان أن تؤجج ميادين مصر وتشعلها ناراً على الفلول ومؤسسات الدولة الفاسدة ثم يتبع ذلك استجابة تشريعية لضغوط الشارع الذى ترعى الحراك فيه الجماعة نفسها خاصة أنه لم يكن ظهر يومها بعد مصطلح الأخونة .
لم تفق جماعة الإخوان إلا بعد انتخابات الرئاسة وشعرت بحاجتها إلى التطهير كما شعرت بعجزها عن العمل فى ظل أجهزة الدولة الفاسدة التى تدين بالولاء للنظام الفاسد وليس لها هدف أهم ولا أعظم من إسقاط حكم الإخوان وإثبات عجزه عن إدارة البلاد .. وعندما أفاقت الجماعة لم تكن تملك سوى التصريحات وكما يقول المثل القديم عندنا " اللى بيقول مبيعملش " فقد أصاب الجماعة ومسئولى الرئاسة إسهال التصريحات عن التطهير وعن فساد أجهزة الدولة وعن الدلة العميقة والثورة المضادة ولكن لم يكن لدى الجماعة رؤية واضحة متكاملة لإعادة الهيكلة وتطهير مؤسسات الدولة وكان من نتائج هذا الإسهال فى التصريحات شيئين هامين ربما كان لهما ثالث أو رابع :
أولا : أن فقدت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية ومسئوليها هيبتهم واحترامهم والثقة فى كفائتهم .
ثانيا : أصبح الفاسدون الذين كانوا يرتعشون رعباً خشية ساعة الحساب وترتعد فرائصه خوفا من المجهول , صار كل هؤلاء يعرفون المجهول بل وتجرأوا وتبجحوا إلى حد أن نسبوا جرائمهم إلى الإخوان فقد أصبح الإخوان بين عشية وضحاها هم من ارتكبوا مذبحة الجمل وهم من فتحوا السجون بالتعاون مع حماس و .. و ... فقد تبين لهم ضعف الرئاسة وارتعاشها بعد أن انشغلت بمداهنة هذه النخب الفاسدة ومحاولة إرضائها بأى ثمن ولو على حساب مبادئ الدين أو العدل والقصاص كما تبين لهم غياب أى رؤية شاملة أو خطط وسبل للإصلاح وإدارة البلاد .
وحتى الخطوة الجيدة التى قام بها مرسى باستبعاد المجلس العسكرى والتخلص من طنطاوى وعنان كان عليه يومها أن يقرنها بحزمة أخرى من التطهير والقرارات الحاسمة ( وعلقة تفوت ولا حد يموت ) .
فالرئيس الذى هو فى حد ذاته رجل صالح لم يحسن اختيار مستشاريه كما أنه انغلق على نفسه وجماعته فلم يوفق فى إعطاء كل شأن الأهمية التى يستحقها ولم تكن لديه أى شمولية فى التفكير وكان فى غالب أمره لا يملك سوى ردود الأفعال العشوائية .. معلوم أن الرئيس لا يمكن أن يفهم فى كل شئ وفى كل المجالات .. الرئيس ليس إلا مديراً عاماً يبذل الجهد للإستفادة من كل الإمكانات المتاحة فى مؤسسات الدولة ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بحسن اختيار مؤسسة الرئاسة التى اختارها الرئيس فقط على أساس واحد هو أن يرضى الجميع ولم يحدث ولن يحدث أبدا أن ترضى الجميع .
فيا سيادة الرئيس، بالرغم من كل ما يحيط بك من إعاقات وحرب قذرة لا تزال تملك تغيير الأمور فأنا على يقين أنك لن تسقط مهما استمر التمرد إلا أن يشاء الله ولكن ارجوك استيقظ .. تحرر من منهج حسن البنا البدعى وانت كما يقولون من حملة القرآن الكريم ، تتبع سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم اهجر وتبرأ من منهج حسن البنا الصوفى البدعى تحرر منه تماما واستعن بالله وابحث عن المخلصين المتقين ليكونوا لك أعوانا ، ولا تخشى فى الله لومة لائم ، اعرف عدوك واتخذه عدوا ، واعرف صديقك واتخذه صديقاً ، وعليك بالاستعانة بالحفيظ العليم ( كسيدنا يوسف عليه السلام ) لا تجعل الولاء والانتماء ومبايعة الإخوان شرطاً لمن تقربه وتوليه شئون المسلمين .
يا سيادة الرئيس رغم كل الأخطاء فأول طريق الإصلاح أن تعلم أنك أخطأت وعندها فقط سوف تبحث عن العلاج ، والعلاج يجب أن يكون جذرياً يجتث الأمراض من أصولها ولا يمس بعض أعراضها ويتركها تنمو وتتجذر ، عليك أن تستعين بالصبر والصلاة ، انصر الله ينصرك ويثبت أقدامك ، وعليك بالصمت والإسرار ، انت فى موقع المسئولية العظمى ولا تحتاج أن تستأن أحداً ولا أن تبرر قراراتك لأحد لا تبحث عن رضا هذه النخب الفاسدة المفسدة التى لا تمثل إلا نفسها لا تشغل عقلك ولا وجدانك بهم ، انشغل بشعبك ، شعب مصر الذى يستحق كل اهتمامك والذى لو أحسنت التعامل معه لكان قوتك بعد الله تعالى : ( هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) .. صدقنى الأوان لم يفت بعد يمكنك إصلاح كل شئ ولكن يجب أولاً أن تعترف على الأقل أمام نفسك بعقم جماعة الإخوان .. صدقنى هذه جماعة عقيم .. فهل يمكن أن ينجب أحدنا لو تزوج أمرأة عقيمة ... تحرر من هذه الجماعة .. انفتح واقرأ ما يكتبه العلماء ويقولوه عن هذه الجماعة وعن مؤسسها رحمه الله وغفر له .. أنت الآن قائدا للمسلمين ولست قائدا للإخوان .. أدعو الله لك ولنا ولجميع المسلمين بالهداية وأن يلهمنا رشدنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وأصلى وأسلم وأبارك على سيدنا وسيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله الصادق الأمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق