حملة الكراهية للإسلاميين
إن المطالع لوسائل إعلامنا المرئية والمقروءة والإلكترونية لتصيبه دهشة عظيمة من كل هذا الكم المهول من الضخ المشبوه والغير مبرر للدعوة للكراهية للإسلاميين ، تصيبك دهشة عارمة مما تزخر به تعليقات الإعلاميين ونفر من العوام عند حديثهم عن التيار الإسلامي، وخصوصاً حركة الإخوان المسلمين.
وهذه الحملة البشعة المركزة الشاملة ليست أبداً متعلقة بانتقاد الإسلاميين أو رفض مواقف سياسية معينة لهم، أو حتى مخاصمتهم والاختلاف معهم. بل في تلك الحملة المسعورة ضدّهم والتي تلفق لهم اتهامات وأوصافاً لا تمتّ لهم بصلة، فيتناولها الناس ويملأون بها ذاكرة عقولهم الواعية والباطنة ، دونما أن يسأل أحد عن دليل عليها ، وفى الحقيقة أنه ما من دليل عليها ولكنها من إنتاج القائمين على هذه الحملة المسعورة للكراهية للإسلاميين فتشكل هذه الحملة جزءاً غير قليل من وعى ومفاهيم الناس ونظرتهم للإسلاميين .
ففي مصر مثلاً بلغ الفجور الإعلامي ( المتمتع بمظلة الحماية قضائياً ) مبلغاً خطيراً وهو يحرّض على مهاجمة مقرّات الإخوان نهاراً جهاراً، دونما توجيه أى تهم لهم إعلامياً أو قضائياً ، ولو حاولتَ البحث بهدوء عن دوافع مقنعة لهذه الحملة لما وجدتَ مبرراً معقولاً واحداً، اللهم إلا ذلك الإرث القديم من التشويه الذي صنعه النظام السابق، وتشربته قلوب وعقول نفر غير قليل من السياسيين والإعلاميين، ولم يتخلوا عنه رغم زعمهم أنهم ضدّ النظام السابق جملة وتفصيلاً، بسياساته وثقافاته وإجرائاته المختلفة.
ولكن حين يتعلّق الأمر بالإسلاميين يختلف الأمر، إذ تجد أن لغة الأنظمة القمعية ضدهم هي ذاتها التي تكرّر اليوم وتعتنق، حتى من قبل بعض من يدّعون حمل لواء الثورة .
والحال هنا ، أن من يديرون حملات التحريض والتشويه هذه هم بقايا الأنظمة السابقة وورثتها الحقيقيون، حتى وإن كانوا يزعمون أنهم على النقيض منها أو أنهم جزء من حركة النضال ضدها، لكنهم توحدوا واتفقوا معها في دوافع كره الإسلاميين أو الاستمرار في إدارة نهج إنتاج الكراهية غير المبررة ضدهم، ومحاولة تصديرها إلى عقول الناس عبر الاستعانة بجملة من الأكاذيب والافتراءات، ما كانت حملاتهم لتنجح دونها، أما الدوافع لذلك فهي (إلى جانب كون مهاجمة الإسلاميين غدت وظيفة لدى من يستعدّ أن يكون مأجوراً من السياسيين والإعلاميين) الخشية من حكم الإسلاميين وتمكّنهم على المصالح الخاصة لتلك الفئة، رغم أن جانباً كبيراً من هذه المخاوف موهوم وغير حقيقي، ولا تشي به اللغة التصالحية والهادئة مع الخصوم التي ينتهجها تيار مثل الإخوان المسلمين، وهي الجماعة المعروفة بنأيها عن العنف وعدم اعتماده خياراً في قضايا الخلاف الداخلي .
بين يدي عملية إنتاج الكراهية المستمرة تلك يتم طرح جملة كبيرة من الافتراءات التي يأمل من يقفون خلفها بأن تتحول إلى حقائق في أذهان المتلقين مع مرور الوقت، وكل طرف من خصوم الإسلاميين ينشئ افتراءاته الخاصة التي تتناسب مع إطاره، ليس ابتداء بتهمة التكفير وانتهاج الإقصاء ونية الفتك بالخصوم، وليس انتهاء باتهام تيار مثل الإخوان بعقد صفقات مع أمريكا لحكم الوطن العربي، وكل هذا دون دليل واحد، وإنما استناداً إلى جملة من الخرافات حملها رموز القومية واليسار العربي ومعهم الليبراليون من إرثهم الثقافي السابق، وهو إرث قائم على المصالح الضيقة وإقصاء دموي للخصوم في سبيل التمكين في السلطة.
ومع الوقت ما زال هؤلاء الدجّالون يأملون بأن تُحدث الأحقاد التي يراكمونها في عقول العوام فعلها، وبأن تنجح في اغتيال الإسلاميين معنوياً والإضرار بصورتهم وتهشيم رمزيتهم، وحمل الناس على الانفضاض من حولهم، لأنه ما دام صندوق الانتخاب قد غدا السبيل الوحيد للوصول للحكم بعد زوال عهد الانقلابات الدموية التي سمحت لخصوم الإسلاميين بالسيطرة والتمكين، فلا يجد خصومهم خياراً أفضل من إدارة الحرب عليهم معنوياً مستفيدين من السيطرة على وسائل إعلامية كثيرة، لأن المطلوب هنا إحداث الوقيعة بينهم وبين جمهورهم العريض في الشارع العربي، وجعله يرتكس رغماً عنه ليعيد إنتاج أنظمة تحاكي تلك البائدة في قمعها وزيفها وهيمنتها المطلقة، حتى وإن نطقت بلسان ديمقراطي واتخذت الحرية والعدالة شعاراً لها.
غير أن حدّة وكثافة حملة التشويه وإنتاج الكراهية تلك لا تتناسب طردياً مع حظوظ نجاحها، فهي وإن نجحت في التأثير على قطاع من الجمهور، إلا أنها لم ولن تكون أبداً كافية لتغيير قناعات عموم الشارع، ولحمله على اعتناق الوهم من جديد، فالأمة تتقدّم وتتغيّر، ولن يفلح الدجل في إيقاف مسيرتها، حتى وإن تعثّرت وعرقلت خطواتها تحديات ضخمة. وعاجلاً أم آجلا سيكتشف أعداؤها ومأجوروهم أنهم لم يحصدوا سوى الخيبة، وأن جهودهم المضنية ذهبت هباءً !
بتصرف عن لمى خاطر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق